عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله ) إذا أراد السفر سلم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة (عليها السلام) فيكون توجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها ......).
والدرس التربوي الذي يُعلمنا إياه سيد الخلق في التعامل مع البنت هو أن على الأب أن لا يقطع الوصل ببناته وإن كُنَّ في عُهدة رجل اخر، ومهما كانت مشاغله، فهذه من الأمور التي تولد شيء من العزة في نفسها، وتجعلها بحالة بهجة وسرور دائم.
لذا فالسؤال الدائم والوصل الذي لا ينقطع عنها من قبل والديها وأخوتها ضروري، لأنه مؤشر على الحرص والحب والاهتمام، وهذا السلوك كان سنة حسنة أسسها النبي (صلى الله عليه وآله) للمجتمع المسلم لتظل أواصر الارتباط وصلة الرحم قائمة ، فكم نحتاجها في هذا الزمان الذي شحت به ثقافة التواصل والتراحم الحقيقية.
على عدم إن كون المرأة كيان فعال ولها ادوار رسالية يتطلب منها أن تربي نفسها الالتفات للدنيا وزينتها وفي الحديث الاتي درس لكل رسالية أراد النبي (صلى الله عليه واله) إيصاله لنا عبر مولاتنا الصديقة إذ تقول: عن أسماء بنت عميس، قالت: «كنت عند فاطمة جدتك إذ دخل رسول الله (صلى الله عليه واله)، وفي عنقها قلادة من ذهب، كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) اشتراها لها من فيء له ؛ فقال النبي (صلى الله عليه واله): لا يغرنك أن يقولوا بنت محمد وعليكِ لباس الجبابرة فقطعتها ، وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها ، فسر رسول الله (صلى الله عليه واله ) بذلك».
الفاطمية الرسالية والتحلي بالزهد
ففعل النبي (صلى الله عليه وآله) هذا لم يكن إلا لان الزهراء (عليها السلام) كانت السيدة الأولى في ذلك المجتمع ، أي إنها كانت قدوة لكل النساء، وهذا ما يُحتم عليها أن تُعايش نساء ذلك المجتمع ، فالنساء من الفقراء والمعدمين لا يمكن أن يتقبلوا الاقتداء بسيدة لم تذق ما يذقنه، وقد لا ينجذبن الإرشاد وتوجيهها كرسالية بالمستوى المطلوب وهذا من أهم متطلبات نجاحها كرسالية وداعية إلى الله تعالى ، وهذا يوجب شعورهن بقربها منهن، بل وتكون بذلك مواسية ومعينه لهن على ضعف حالهن ، وتكون مصدر قوة لكي لا تميل قلوبهن لزينة الدنيا وملهياتها.
لذا في هذا الجزء من الحديث دروس يريد منا النبي الأكرم والسيدة الزهراء (عليها السلام) أن نتعلمه، وهو أن يُربى الإنسان بشكل عام والمرأة خصوصًا إذا كانوا ذوي أهدف سامية على الزهد أي أن لا يتعلق قلبهم بشيء من زينة الدنيا ولو كان بمقدار (أسورة).
فإن المرأة التي تتربى على القناعة لن تنشغل بالأمور الكمالية، وعندما تذهب لدار زوجها ستكون نعم العون له ، والسند ، لا أن تكون سببًا لتعاسته والتضييق عليهم . بل ولعل بعضهن تصل لقرار فك هذا العقد المقدس لضيق يده وفقره كما هو شائع الآن للأسف الشديد وكل ذلك سببه ابتعادنا عن التربية المحمدية لمولاتنا فاطمة (عليها السلام).
تكليفها بأعمال اجتماعية
إن من أهم تطبيقات زرع الثقة في نفس الإنسان سواء كان رجلا أم امرأة ، هو عندما تُوكل إليه المهام ، وكلما كان الشخص الطالب ذا وجاهة ومكانة اكبر كلما كان هذا الأمر معززاً لثقة المطلوب منه بنفسه، وكذلك يجعل روح المسؤولية لديه بحالة نمو وتصاعد، فكيف إذا كان الطالب شخصا كخاتم الرسل (صلى الله عليه وآله).
فالنبي الأكرم قد كسر قيد تلك النظرة القاصرة لدور المرأة، فكان يرسل للزهراء (عليها السلام) من يحتاج إلى مساعدة أو من يحتاج لرعاية أو استشارة في مسألة علمية وغيرها من المهام لمولاتنا فاطمة (عليها السلام)، كما ورد «لما استشهد جعفر بن أبي طالب في مؤتة أمرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تتخذ لأسماء بنت عميس طعامًا ثلاثة أيام، فجرت بذلك السُنّة، وأمراها أن تقيم عندها ثلاثة أيام هي ونساؤها لتسليها عن المصيبة ثم أصبحت تلك سنة عامة».
وفي كتاب (بشارة المصطفى) عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلَّى بنا رسول الله (صل الله عليه وآله) صلاة العصر، فلما أنفتل جلس في قبلته والناس حوله. فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من العرب مهاجر ، .... فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني وفقير فارشني.
فقال (صل الله عليه وأله) ما أجد لك شيئًا ، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة ... الخ » الرواية، كما أن النبي (صلى الله عليه وآله ) فتح للزهراء (عليها السلام) باب تعليم النساء فيما يجهلنه من مسائل الدين والدنيا، فكن يقصدنها من كل مكان.
لذا على الآباء أن يهتموا بهذا الأمر بأن يوكلوا بعض المهام لفتياتهم، ليعززوا ثقتهن بأنفسهن وليكن قادرات على إدارة حياتهن، وتحمل المسؤوليات في المستقبل بشكل أفضل، أن يستشيرونهن ويطلبوا رأيهن، ليصبحن من ذوي الفكر والتعقل ، فلا يتربين على الامتثال لكل ما يسمعن وعلى تقبل كل ما يُقال لهن على أنه صحيح ومسلم به بل يُفكرن ويحللن كل ما يُطرح عليهن، فيأخذن بالجيد منه.
بالنتيجة سيرة الزهراء (عليها السلام) مليئة بالكنوز التي يمكن للإنسان أن يتأمل بها ليتخذها منهاجًا له ليُصبح إنسانًا إلهيًا مرضيا مكرما عند ربه وجيها به عند خلقه.
اضافةتعليق
التعليقات