كثيرة هي تلك الكلمات التي تقيد الانسان من عقله فيعجز عن وصفها وما من ترجمان لها سوى دموع ساخنة تشق طريقها نحو نحره فتنطفئ عَبرة لا انقطاع لها، هي تلك الايام عَبرتي وغصتي وقيد حرفي الذي تاه في اي الجنتين يكتب وعلى الروح ختم حسين واخر امتلك القلب محتضناً اياه وهو مقطوع الكفين.
وقفت مولاي ببابك راجياً ان لا تردني من توفيق ذكرك على ضفاف اسمي فيقال تلك التي كتبت فيك فمااوفت وما من احد اوفى حقك ولكنما هو حب يقيد اطراف الروح وذكره شرف يتوج صاحبه كيف وانا العاشق لمولاي متوله بجوده وايثاره في ذلك اليوم الذي خلع فيه كفيه ليجود بهما عن اخيه فما هو الا نسخة عن جود ابيه الذي افتدى رسول الله بكل وجوده فقد كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعدّه لكلّ عظيمة، ويدعوه عند كلّ نازلة ومُلمّة حتى اصبح باب النبي وهنا قد ورث ابا الفضل صفات ابيه حين اصبح باب للامام الحسين (عليه السلام) حيث كان من شدّة إيمان العبّاس (عليه السلام) ونُبل أخلاقه أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعدّه لكلّ عظيمة، ويدعوه عند كلّ نازلةٍ وملمّة ليقف نفسه لخدمة أخيه وحمايته والدفاع عنه حتّى اشتهر قوله في مخاطبته له: سيّدي ومولاي.
ولم يُعرف عنه أنّه خاطبه يوماً وذات مرّة بقوله: يا أخي، إلّا في يومٍ واحد وذات مرّة واحدة فقط وهي في يوم عاشوراء وذلك حين هوى من على ظهر جواده إلى الأرض، وهي ساعةٌ حرجةٌ يحنّ فيها الإنسان إلى أقرب ذويه وأخصّ خاصّته، ولحظة يتلهّف الإنسان فيها إلى أن يتصفّح وجوه كلّ أقربائه وهنا القى بنظراته الأخيرة على اخيه، في هذه الساعة بالذات، وفي تلك اللحظة الحسّاسة نفسها سمح أبو الفضل لنفسه أن يُنادي أخاه بقوله: يا أخاه أدرك أخاك، تلك اللحظات التي شاخ الزمان لذكرها وتوقفت عند طرحها مخيلاتنا فلا نستطيع ان نطرح تلك الصورة داخل عقولنا فلا قلب يحتمل رؤيتها او وصفها فكيف بمولاي وهو يودع وارث ابيه وبابه.
لاعجب اننا لانستطيع تحملها فما الحادثة الا اشبه بصدمة إستيعاب طارئة، لها شكل اخر، حادة الاطراف مرةٌ لاذعة، ان تستشعر فجأة انك لاتدرك معنى الاخوة ولاتعي كيف يكون الجود الحقيقي فانظر الى كفيك واسألهما هل يغادرانك ايثارا لاخيك هكذا اجاد بهما ابا الفضل دونما تفكير فقط ليذود عن مولاه وامام زمانه فقد كان ابا الفضل العباس بنفسه جيشاً كبيراً ودرعاً حصيناً فكلما يراه الامام الحسين(عليه السلام) يرى ان معسكره ما زال قائماً بوجود ابي الفضل العباس (عليه السلام) فقد كانت له منزلة عظيمة في نفس مولاي ابي عبد الله الحسين (ع) لدرجة انه لم يُرى الامام الحسين (ع) منكسراً الا بعد استشهاده روحي فداه وذلك بقول (الان انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي)، وقد ذكر هذا مولانا الامام زين العابدين حين قال في حقّه هذه الكلمات القيّمة :
"رحم الله عمّي العباس ، فلقد آثر وأبلى ، وفدى أخاه بنفسه ، حتى قُطعت يداه ، فأبدله الله بجناحين ، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة .. ».
والآن يامولاي نحن نحيي ايامك فنجدنا مكسورين لانقوى على شيء سوى ازالة الدموع الساخنة فلا تعبير يفيك حقك وكما قيل فيك مولاي:
فيا ابن علي والعلا لك شيمة
لقد طبت مولودا كما طبت مولدا
حقيق بأن يغدو لك الدهر مآتما
بها النوح لايزداد الا تجددا
وكما الشاعر في ارواحنا مآتم يا ابن علي لك كل عام تتجدد فلا السواد يروي حزنها ول النحيب يشفي جرحها فانت جوهر كلما حل العزاء فينا تتوقد ابا الفضل قد اشبهت بالفضل اباك وكنت الباب للحسين مثلما كان علي باب لرسول الله فهو نور ارتقى إلى آفاق المُثُل العُليا وجسّد أنبل وأشرف المبادئ، فسمت نفسه إلى مقام الذروة من الكمال البشريّ، وتألّق اسمه على جبين الدهر ليتلألأ عبر الأجيال ويصبح المثل الاعلى للإباء والتضحية والإيثار ، فسلام عليك مولاي من مذنب يرى بابك مراده واسمك طريقاً هادياً له.
اضافةتعليق
التعليقات