أستاذ في قاعة فارغة أو في أحسن الأحوال بعض طلاب في حالة من الشرود والنعاس، هذا ليس سيناريو متخيل، إنه حال أغلب طلاب الجامعيين في الدراسات الأولية والعليا.
لعلك قد تسأل أحدهم لماذا أنت في الجامعة؟ وما هي أهدافك وأحلامك؟
فيجيبك بسخرية ولا مبالاة "شكلك مثقف"، وإذا بذل بعض الجهد وحاول أن يشغّل عقله ويجيب سيقول "أتونس وأعيش مثل الناس"، أو "أحب مثل غيري"، وربما قد يكون على مستوى أعلى من الجدية فيقول "أتعين"، وإن حصلت على هذا الشاب فتمسك به، فإن هناك بصيص من الأمل قد يستيقظ فيه ذات يوم.
غير أنك قد لا ترى طالبا يقول "أتعلم" إلا مرة كل عدد من السنوات، فتشعر حينها أن روحك أورقت وإنك كتدريسي تريد إعطاءه كل ما لديك من معرفة لحمل الشعلة للأجيال القادمة.
لماذا يحصل هذا تسألني؟ وليت عندي إجابة، فأنا أيضاً أبحث عن من يخبرني كيف وصلنا إلى هذه الحال، ولكن ما الذي قد ينتج هذا الكم من الاستهتار بالتعليم غير التعليم نفسه؟ نعم إنه ليس الهاتف هذه المرة، لقد انتقد الباحثون نظام التعليم لأنه يعيق النمو الطبيعي للفرد، ويمنحه مهارات غير ذات فائدة في الحياة العملية سوى أن يكون دجاجة أليفة، لكن وعلى الرغم من هذا كان نظاماً خرّج وعلى مر الأزمان أجيالاً وأجيالاً من العباقرة، فما الذي حدث الآن؟
في الماضي عندما كنت في صفوف الدراسة، كانت موادنا الدراسية على قدر كافٍ من التحدي الذي يجعلك تبحث وتفكر، وعلى قدر جيد من ثراء المحتوى وتنظيمه بحيث إنك خلال رحلتك الدراسية تكتسب قدراً من العلوم والآداب والتأريخ والمعارف الدينية، فتتكون شخصيتك وهي عارفة لماضيها وحاضرها ولما يجب أن تتجه إليه، ومدركة لقيمها.
ثم جاءت المناهج التي تدعى "مطورة"، مواداً إما مسرفة في التعقيد أو التبسيط، اُختصرت في موضع يحبذ فيه الإطناب، وأطيلت في مواضع لا غنى فيها عن الإيجاز، لا تقوم على أسس مدروسة ولا فلسفة عميقة، أو قد تكون هناك أسس... أسس هادفة لتدمير الشعوب ربما..
فماذا نفعل بطالب لا يجيد قراءة القرآن، لا يفهم لغته، لا يعرف وعد بلفور، لا يعرف تأريخاً طويلاً من الاستعمار وحروب التحرير من المحيط إلى الخليج، ولم يقرأ الأشعار القيمة للشعراء العرب؟
ما هذه المناهج المائعة التي تولد شخصيات مخدرة تماماً، نافرة من العلم، تحاول شفط المادة لاجترارها ساعة الامتحان كآلة مبرمجة، أقصى طموحها هو اجتياز الامتحانات للدخول لأي جامعة حتى تعيش شبابها، وتُخرَّج في الجامعة بشخصية رخوة لا تعرف كيف تواجه الحياة إلا بالخديعة والحيلة، لأنها لا تعرف كيف تفعل أي شيء بمعنى وبطريقة صحيحة، ولا احترام لذاتها، فلا هو نال ولا هو وصل، فلم يحب العلم مبتدئاً، ولم يكن لشهادته أي قيمة، فلا يدرك أن بالعلم لا بغيره تبني الأقوام بيوتاً لا عماد لها، وهو لا يشعر سوى بأنه أضاع حياته في الدراسة.
اضافةتعليق
التعليقات