لعل من حسن الحظ أن اللحظات المفجعة التي تحتدم فيها الذكريات المسببة للصدمات في حياة معظمنا لحظات نادرة لكن من المفترض أن تعمل أيضا الدوائر العصبية نفسها التي تطبع هذه الذكريات بجرأة وفاعلية في لحظات الحياة الأهدأ نسبيا.
نجد مثلا، أن معظم عذابات الطفولة العادية، مثل التجاهل المزمن للطفل، أو حرمانه من اهتمام والديه ورقتهما، أو الهجر، أو الفقدان، أو الرفض الاجتماعي، كل هذه الآلام قد لا تصل أبدا إلى ذروة سخونة الصدمة، لكنها بالتأكيد تترك بصماتها على المخ العاطفي، فتخلق في علاقات الحياة الحميمية فيما بعد، تشوهات، ودموعا، وغضبا فإذا كان من الممكن الشفاء من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فمن الممكن أيضا الشفاء من الندوب العاطفية الصامتة التي يتحملها معظمنا، وهذه هي مهمة العلاج النفسي.
وعموما فإن الدور الفاعل للذكاء العاطفي، يأتي من خلال تعلم كيفية التعامل بمهارة مع ردود الأفعال المثقلة سالفة الذكر.
إن ديناميكية العلاقة بين «الأميجدالا»، وردود أفعال قشرة المخ الأمامية الأكثر وعيا ، تقدم نموذجا تشريحيا عصبيا للكيفية التي يعيد بها العلاج النفسي، تشكيل النماذج العاطفية سيئة التكيف. ويرى جوزيف لودو العالم المتخصص في علم الأعصاب، الذي اكتشف دور«الأميجدالا» في إثارة التفجرات الانفعالية، والحدس، أنه «إذا تعلمت منظومتك العاطفية شيئا ما مرة واحدة، فلن يضيع منها أبدا» ومايفعله العلاج النفسي، هو تعليمك كيف تتحكم في ذلك.
تتعلم القشرة الدماغية الجديدة، كيف تكبح «الأميجدالا»، فتكبت نزعتها الطبيعيةللإثارة، لتظل انفعالاتك الأساسية هادئة نسبيا ومحكومة ومن المفترض أن بنية المخ تشكل أساس إعادة التعلم العاطفي، أما ما تبقى بعدالعلاج النفسي الناجح فهو رد فعل بلا وظيفة عبارة عن بقايا الحساسية الأصلية أو الخوف من مصدر الانفعال المزعج.
هذا لأن القشرة الأمامية يمكنها تنقية أو فرملة اندفاع الأميجدالا نحو الإثارة، ولكنها لا تستطيع أن تمنعه من رد الفعل تماما وهكذا بينما لا تستطيع أن تحدد متى تنفجر الأميجد الا انفعاليا، لكن بإمكاننا التحكم في مدى استمرار هذا التفجر فكلما كان استردادنا لحالتنا الطبيعية أسرع، كان ذلك علامة على تحكمنا في هذه الانفعالات، وهي إحدى علامات النضج العاطفي لكن يبدو أن ما يتغير أساسا مع تقدم العلاج هو استجابات الناس حالما يستثار رد الفعل الانفعالي أما الميل لإثارة رد الفعل فلا يختفي تماما وقد أثبتت هذه النتيجة مجموعة من دراسات العلاج النفسي أجراها ليستر لوبورسكي ومجموعة من زملائه بجامعة بنسلفانيا قامت المجموعة بتحليل علاقة الصراعات الأساسية التي أوصلت عشرات المرضى إلى اللجوء للعلاج النفسي. وجدت هذه الدراسات أسبابا مختلفة، مثل رغبة المريض الملحة في أن يكون مقبولا، أو بحثه عن علاقة حميمية، أو خوفه من الفشل، أو بسبب اعتماده على الغير أكثر مما ينبغي ثم قامت المجموعة بتحليل دقيق استجابات المرضى النمطية (وهي دائما هزيمة النفس)، عندما تنشط هذه الرغبات والمخاوف فتصبح مطالب ملحة، تعمل على تنشيطها استجابات عنيدة، تؤدي إلى حدوث حركة غضب عنيف، أو برود من قبل الشخص الآخر، أو الانسحاب في حالة من الدفاع عن النفس أمامأمر تافه، تاركا الشخص الآخر مستاء وغاضبا.
ومن خلال هذه المواجهات التي تنطوي على سوء تقدير وما يبدو من صد، يشعر المرضى بأنهم غارقون في فيض من مشاعر التوتر، والعجز والحزن، والقنوط والغضب، والإحساس بالذنب، وتأنيب الذات إلخ ... وأيا ما كان نمط المريض الخاص، فإن هذه الأعراض تبدو واضحة في معظم العلاقات المهمة سواء كانت مع زوجة أو حبيب، أو طفل، أو أبوين، أو زملاء العمل ورؤسائهم.
اضافةتعليق
التعليقات