كنتُ أتصفحُ موقعاً لوصفات الأطعمة الصحية، مررتُ على وصفات تتضمن الفاصولياء الخضراء كمكوّن أساسي فيها، تفاجأت بأن هنالك أعداداً لا نهائية من الوصفات الجديدة والشهية (سلطة الفاصوليا الخضراء، صينية الفاصوليا بالجبن، وتشكيلة الفاصوليا مع خضار أخرى مطهوة مع بعضها)، استغربت كيف إننا لم نتجرأ من قبل على تجربة أي من هذه الأطباق، بل اعتدنا مُذ وعينا أن نأكلها بطريقة تقليدية واحدة، وهي مرق الفاصولياء الخضراء مع الأرز الأبيض، حتى نكاد لا نعرف طريقة أخرى لطهوها غير هذه.
فتح لي هذا التفكر آفاقاً مديدة ارتبطت بشكلٍ تلقائي بجوانب شتى من الحياة، لم نخافُ تجربة ما هو جديد؟ لم نتوجس الخروج من منطقة الراحة الآمنة والوثيرة تلك، نستلقي فيها صباح مساء دون أي إنجاز أو تغيير يُذكر، ولماذا نسمح للبرمجة العقلية والوراثية بالتمكن من تسييرنا كل يوم وفق الطريقة التي تشاء هي!
تتمكنُ البرمجة اليوم من السيطرة على كل تفاصيل يومنا، فنحنُ نأكل وننام ونصلي ونخرج ونعمل بشكلٍ مبرمج لا شعور فيه، لا نتحسس النكهات التي تحملها وجباتنا اليومية، لا نفرّقُ بين تجانسُ البهارات في كبسة الدجاج أو نكهة الفانيلا في الكيك أو لذّة حبات الهيل في الشاي. هنالك استهلاكية طاغية تحتّم علينا أن نستقبل المدخلات فقط دون تدبّر أو تمحيص، أن نأكل لننتهي من الحاجة للطعام، أن ننام لنتخلص من التعب فحسب، بينما يحملُ كل طقس من طقوس الحياة نِعم عديدة لا حصر لها يمكن أن نقضي وقتاً طويلاً نحاولُ استشعارها وهذا بدوره سيضفي لذة بالغة على هذه الطقوس.
إن تجربة أي شيء جديد أو تغيير برمجتك تجاه شيء اعتدت القيام به بشكل تلقائي دون تفّكر، بما في ذلك الطعام والعادات اليومية، يتطلب منك الخروج من منطقة راحتك. إذا لم تكن مغامرًا جدًا فقد تواجه صعوبة في ذلك. قد يكون الأشخاص الذين يبحثون عن مغامرات أو إثارة غريبة أكثر عرضة لتجربة أطعمة غير مُجربة من قبل. يمكن أن تتغير براعم التذوق لديك بمرور الوقت، لكن هذا يتطلب المخاطرة بأطعمة جديدة.
لا أحد يستيقظ في عيد ميلاده الثلاثين فيجد نفسه فجأةً يحب البروكلي! عليك أن تأكله، وفي نهاية المطاف قد تبدأ في الإعجاب به. قد يتطلب الأمر طريقة طهي جديدة أو النوع المناسب من التوابل فحسب. وقد لا تحب البروكلي أبدًا، بغض النظر عن مدى صعوبة المحاولة يكفي أنك أخرجت براعمك الذوقية من نمطها المعتاد وجعلتها تجرب نكهات جديدة. طالما أن نظامك الغذائي صحي بشكل عام وأنك تحصل على ما يكفي من الخضار من مصادر أخرى، فلا بأس بذلك.
تُعرّف منطقة الراحة (comfort zone) بأنها حالة سلوكية يمارسها المرء من خلال مزاولته لحياته الروتينية بعيداً عن التغييرات التي قد تجلب الخطر النفسي لصاحبها. فهي الحالة التي تعطي المرء شعوراً بالراحة النفسية والأمان من جهة ولكنها تبعده عن الطموح والسعي وراء أحلامه من جهة أخرى.
العادة رديف الإدمان وصورته المهذبة، يقول نجيب محفوظ: "قاتل الله العادة؛ فهي التي تقتل روح العجب والإعجاب فينا"، والذي يرى أن الاعتياد ضروب من ضروب السلبية يرتكز على هذا المبدأ ومثله على مبدأ "المرء أسير ما تعود عليه" وبالفعل فإن التعوّد سجن حقيقي إذا لم يكن مُدركاً ومُسيّطراً عليه.
هناك أمثلة كثيرة للتعود الإيجابي والسلبي، يقوم الإنسان بتصنيفها تلقائياً حسب المبدأ الذي تربى عليه، والزاوية التي ينظر للأمور من خلالها، والميل الداخلي لديه، ومن هذه الأمثلة: التسوق بسرف، القراءة، إدمان الكافين والنيكوتين، المزاح المفرط، تعاطي المخدرات، السهر، محادثة الأصدقاء، المشي، الكلام الكثير، الصرف غير المشروط، الترتيب، النظافة، الرياضة، الألم، الأكل العشوائي، قراءة الجرائد، الكسل، التفاؤل، الكتابة، تناول الأدوية، النوم، التفكير الإيجابي، البطالة، تربية الحيوانات، لعب القمار، والتعود على وجود الأشخاص كذلك يدخل في إطار التعود.
كل إنسان له الحق في رؤية الإيجابي إيجابياً والسلبي سلبياً حسب مبدأه وميله، إلا أن هناك ضابطاً عاماً عند الحديث عن التعوّد، حيث يصبح النظر إلى العادة محكوماً بالقدرة على التخلص منها، والاحتكام لمبدأ أن التغيير هو الأصل، وأن كسر الروتين يفتح أفقاً، وأن خرق النمط يضيف تجدداً، ولكن يجب التنبيه على نقطة أن كسر العادة يجب أن يكون مجدياً وإن كان يحتوي المخاطرة، وإلا فإن أمان التعود الواعي يكون أنسب.
اضافةتعليق
التعليقات