انوثة مطرزة بالقوة، ونعومة معززة بالارادة، وضعف ظاهري جوهره الصمود، اذ ما اردنا ان نرسمها بالحروف، حنانها كالماء الذي بدونه تموت الحياة، وكبرياءها شموخ ومصدر لرجولة الرجال، الاستغناء عنها محال، والوقوف بين يدي امومتها، فرض من الله بخضوع واذلال، سجال في سجال دخولها في أي مجال، فتبا لمن اراد للجنة ان تزال، او تحولها من الصدارة الى الاذيال، تمارس حق العمل، امر ليس عليه جدال، 48% حسب الاحصاءات نساء عاملات معنفات هو الجدال.
الادوار التكاملية
إذا تأملنا الفروق بين الرجل والمرأة نجدها واضحة فيسيولوجيا وعاطفيا وإنفعاليا وإجتماعيا وهذه الفروق حكمة الهية لتأدية أدوار تكاملية، وليست هذه الفروق قصد منها التمييز والافضلية وغيرها كما نلاحظ الان في مجتمعاتنا.
تقول الباحثة الاجتماعية شيماء العوادي ان "سيادة الطابع الذكوري في المجتمع وتأثيره على قرارات وافكار المرأة اذ ان الرجل هو الاساس بكل شئ، أصبح دور المرأة مختصراً على الجلوس في البيت وإعداد الطعام وتحضير كل مستلزمات الحياة له، وظهر التمييز النوعي ضد المرأة نتيجة لإختلاف هذه الأدوار".
وتؤكد على ان "التمييز يكون على اساس الجنس واللون والعرق والدين، وما يهمنا هو التمييز على اساس النوع الذي يطلق عليه "الجندر"، وتوضح العوادي مصطلح الجندر بالتالي "يطلق على العلاقات والادوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين "الرجال والنساء" وتتغير وفقاً لتغير الزمان والمكان وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الإجتماعية الاخرى مثل الدين والعرق والطبقة الاجتماعية".
مفهوم النوع
اذا تأملنا الإحصاءات التي نشرتها التقارير الصحفية والتنمية البشرية تعطينا صورة بالغة السلبية عن أوضاع المرأة وخاصة فيما يتعلق بنسبة الأمية التي تنتشر بدرجة أكبر عند الاناث في مجتمع إضافة الى ظواهر اخرى من التمييز النوعي في الزواج ومسبباته ومنها اجتماعية واقتصادية عديدة، وكذلك ظاهرة ختان البنات والتحرش والاستغلال الجنسي بشتى انواعه المختلفة.
يقول الدكتور يوسف حسن الاستاذ المساعد قسم العلوم التربوية والنفسية في جامعة السلام المصرية، "ان هناك بعض النساء يعانين من القلق الناجم عن هذا التمييز النوعي وإذا ما أرادوا الخروج من دائرة المعايير الاجتماعية التي شكلت هذه الأنماط السلوكية النوعية يقابلها المجتمع بالرفض والصد، لذلك وفي اغلب الاحيان لا تستطيع المرأة التعبير عن حالتها الداخلية الناجمة عن هذا التمييز.
مما قد يؤدي بها إلى حالة من التوتر والاحباط الشديد وإنخفاض في المزاج وكل هذه العلامات تقودها الى ما يسمى بالقلق".
ويذكر الدكتور اسباب عدة لهذا التمييز النوعي "اضافة الى الاختلافات البايلوجية، فإن الخصائص الاجتماعية حسب الثقافات المختلفة أيضاً لها دور مماثل في تعريف الفرد كأنثى أو كذكر وهو ما يطلق عليه "النوع الاجتماعي"، اذ ان الادوار الاقتصادية والاجتماعية التي يؤديها النساء والرجال، دائماً ما تربط الرجل بدور الانتاج وهو يعتبر عمل تتابعي في حين للنساء ثلاثة أدوار: مسؤليات منزلية، عمل إنتاجي ونشاطات اجتماعية، وكلها يجب أن تؤدي في آن واحد، وأدوار ومسؤوليات النوع الاجتماعي تختلف باختلاف الثقافات ويمكن أن تتغير بمرور الوقت ولكن تقريباً في كل المجتمعات أدوار للنساء غير مقدرة".
خوف معتقل
يفسر فرويد نشأة القلق، بقوله "ان الاعراض تنشأ لكى تقي "الانا" من حالة الخطر واذا منعت الاعراض من النشوء تحقق الخطر فى الواقع، ويفسر "سكنر" نشأة القلق على اساس قانون الاثر باعتبار ان القلق ما هو الا استجابة انفعالية للمواقف التي تهدد الفرد.
وعليه فأن قلق المرأة العاملة يأتي من الخوف من الاضطهاد في اماكن العمل والتمييز النوعي، ويذكر الدكتور يوسف حسن مجموعة من السلوكيات النمطية التي تدفع المرأة العاملة للقلق، "من السلوكيات النمطية التي يحددها المجتمع للمرأة حسب النوع هو حرمانها من عمل المرأة في جوانب الحياة المختلفة.
او مفاضلات الدرجات الوظيفية والمؤهلات الجسمانية، فهي احد جوانب التمييز النوعي لأنها توجد في بيئة تهيئ لها مواجهة اشكال التمييز النوعي كافة، سواء كان بصورة قصدية أو غير قصدية مما يسبب لها بعض الضغوط النفسية والمهنية وبعض الاحباطات والتوترات التي من شأنها أن تؤدي بها الى رفع مستوى القلق".
احصائيات ودراسات
وجاءت نتائج الاستطلاعات والتقارير الخاصة بالتمييز النوعي ضد المرأة صادمة للمدافعين عن حقوق المرأة، اذ بينت ان هناك العلاقة بين التمييز النوعي والقلق لمجموعة معينة من النساء.
وتبين الدكتورة آمنة محمد عبد الكريم تدريسية في معهد دراسات المرأة والنوع والتنمية في الاردن من خلال بحث اجرته على عينة من النساء العربيات ان "إستشعار التمييز النوعي وظهوره بصورة واضحة في بيئة عمل المرأة، من خلال النظرة الدونية لما تقوم به المرأة من عمل في بعض المؤسسات، كذلك الحديث الواضح في بعض الاحيان عن عدم كفاءة المرأة وإدارتها للعمل، كما يرى بعض الاشخاص حتى بعض المتعلمين والمثقفين من مجتمعاتنا العربية، كما أن بعض المناصب والاعمال لا يمكن أن توكل للمرأة، وغيرها شكل من أشكال التمييز النوعي.
وتشير عبد الكريم الى ان "ما يعزر هذا الارتفاع في مستوى القلق الى بعض مظاهر المضايقات التي تتلقاها المرأة العاملة في محيط العمل من إنتقاص لحقها وعدم إعارتها اهتمام احياناً، في النهوض والرقي بالمؤسسات التي تنتمي إليها، وعدم منحها التعزيز والتحفيز المعنوي والمادي.
كل هذه الأسباب ساهمت في زيادة أشكال التمييز النوعي للمرأة خاصة المرأة العاملة، وقد تكون هناك بعض الآثار المصاحبة له، قد ينتج عنه إحباطات وتوترات من شأنها أن تؤدي بالمرأة العاملة الى زيادة وارتفاع مستوى القلق لديها".
الأثار السلبية للعنف ضد النساء
تتراوح الأثار السلبية للعنف ضد النساء على جملة من الاشكال النفسية، الصحية، الاجتماعية، واقتصادية، وغيرها الكثير من التأثيرات التي نلمس تبعاتها على ارض الواقع، فبالعودة الى الباحثة الاجتماعية إنَّ من أهم النتائج المُدمّرة لتبني العنف ضد المرأة العاملة هو تدمير ذلك السلوك الفطري وهو التعامل بانسانية مع المحيط، والذي يبدأ من فقدانها للثقة بنفسها، وعدم الشعور بالامان والتراجع في الاداء الوظيفي، وبالتالي قتل الابداع الذي كان سيعكس بصورة ايجابية على المجتمع".
وتشير العوادي الى ان "من خلال معايشتي للنساء في مركز الارشاد الاسري فأن الاكتئاب، الاحباط، العزلة، فقدان الأصدقاء، ضعف الاتصال الحميمي بالأسر، نتائج خطيرة بسبب التميز النوعي والاضطهاد في اماكن العمل للمرأة".
ويؤكد المحامي احمد الكربلائي إن "محاربة العنف كحالة إنسانية وظاهرة اجتماعية عملية متكاملة تتآزر فيها أنظمة التشريع القانوني والحماية القضائية والثقافة الإجتماعية النوعية، والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي الديمقراطي، فعلى أجهزة الدولة والمجتمع المدني بمؤسساته الفاعلة العمل المتكامل لاستئصال العنف من خلال المشاريع التحديثية الفكرية والتربوية السياسية والاقتصادية، وهنا يجب إيجاد وحدة تصور موضوعي متقدم لوضع المرأة الإنساني والوطني، والعمل لضمان سيادة الاختيارات الإيجابية للمرأة في أدوارها الحياتية، وتنمية المكتسبات النوعية التي تكتسبها المرأة في ميادين الحياة وبالذات التعليمية والتربوية.
ويبين انه "كما لابد من اعتماد سياسة التنمية البشرية الشاملة لصياغة إنسان نوعي قادر على الوعي والإنتاج والتناغم والتعايش والتطور المستمر، وهي مهمة مجتمعية وطنية تتطلب إبداع البرامج والمشاريع الشاملة التي تلحظ عوامل التنمية على تنوع مصاديقها السياسية والإقتصادية والحضارية، إنَّ أي تطوّر تنموي سيساعد في تخطي العقبات التي تواجه المرأة في مسيرتها العملية".
التوعية والتثقيف
كما أن للتوعية النّسوية دور جوهري في التصدي للعنف، إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقها الإنسانية، وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح والتهاون والسكوت على سلب هذه الحقوق، وصناعة كيان واع ومستقل لوجودها الإنساني وشخصيتها المعنوية، وعلى فاعليات المجتمع النّسوي مسؤولية إبداع مؤسسات مدنية جادة وهادفة للدفاع عن المرأة وصيانة وجودها وحقوقها.
هذا ما اكدته ايمان التميمي وهي مرشدة اجتماعية في احد المؤسسات الدينية في كربلاء "أن للنخب الدينية والفكرية الواعية دورا مهما في صناعة حياة تقوم على قيم التسامح والأمن والسلام، وفي هذا الإطار يجب التنديد العلني بالعنف الذي تتعرض له المرأة والإصغاء للنساء والوقوف معهن لنيل حقوقهن، ويجب أيضاً مواجهة المسؤولين إذا ما تقاعسوا عن منع أعمال العنف ضد المرأة ومعاقبة مرتكبيها وإنصاف ضحاياها، ورفض الأفكار والتقاليد التي تحط من شأن المرأة وتنتقص من دورها ووظيفته".
وتضيف "هناك الكثير من النساء اليوم المعنفات في مجال العمل سواء امتلاك مؤهلات وتواجه تعسف اسري في رفض فكرة العمل، او موظفات يتعرض للاعتداءات اللفظية والجسدية والتمييز بالجنس، دون القدرة على البوح في هذه المشاكل مما يترتب باثار سلبية نفسية تنعكس على كل المرتبطين بها اسريا واجتماعيا لانها تعاني تأزم نفسي".
وتوضح التميمي ان" لابد من تظافر الجهود للارتقاء بمستوى حماية المرأة، فالبرغم من وجود مساع حثيثة لايصال صوتها الا انها لاتزال لا تصل الى مستوى الطموح، فمن خلال معايشتي في الوسط النسوي فان اغلبهن يؤكدن انه لاتوجد حماية قانونية كافية ولا اجتماعية ولاعشائرية باعتبار ان العرف هو السائد في البلاد".
ولفتت التميمي الى امر مهم وهو دور الاعلام "بما اننا اليوم نعيش عصر المعلوماتية والاعلام، فللاخير دور كبير في صناعة ثقافة متطورة تجاه المرأة، كوجود ورسالة ودور إنساني، وعليه تقع مسؤولية مضاعفة لخلق ثقافة الإنسانية والمساواة في العلاقات، فعلى وسائل الإعلام المتنوعة اعتماد سياسة بنّاءة تجاه المرأة وإقصائية لثقافة العنف المُمارس ضدها.
فعلى سبيل المثال يجب الابتعاد عن الصورة النمطية المُعطاة للمرأة إعلامياً بأنها ذات عقلية دونية أو كيدية تآمرية أو قشرية غير جادة، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن البرامج الإعلامية التي تتعامل محتوياتها مع حل المشاكل الإنسانية والخلافات العائلية بالعنف والقسوة والقوة والتركيز على حل المسائل الخلافية داخل المحيط الإنساني والأسري بالتفاهم والمنطق والأسلوب العلمي والأخلاقي الرفيع".
اضافةتعليق
التعليقات