أنا كاتبة، علي أن أكتب، أحب أن أكتب، وكل ما أعرفه عن نفسي إنني أكتب، أكتب دائماً، أكتب بحب، في أي مكان وزمان، وبأي وسيلة ورقاً، حاسوباً، أو هاتفاً، لا يمكن فصلي عن الكلمات.
لم يكن هناك ذلك الوقت الذي لم أكتب فيه، الكتابة نشاط يومي، أتقوت به، أتقوى به، وهكذا أواجه الحياة.
لا يستغني المرء عن طعامه، شرابه، نومه، ومختلف ما يجعله لوجوده البشري إمكانية المواصلة، لا يريد أن يفعل ذلك، ولا يمكنه أن يفعل ذلك، هو يتسلى، ويتزود بما يوقد في روحه شعلة النور... لكن وكما تسهد العيون وتحرم لذة النوم، وكما نفقد الشهية فنهلك، فقدت قدرتي على الكتابة.
فجأة تتداعى مهارات الكتابة، الأفكار موجودة وكثيرة، لكن لا قدرة لي على صفها كما يجب، لا قدرة على الغوص في أعماق الكلمات وانتقاء ما يناسب، هناك شلل ملحوظ في قدرتي على الكتابة.
إحباط بعد إحباط، الشخص الذي يكتب بسهولة أربعة نصوص يومياً وقرابة ثلاثة آلاف كلمة بسهولة غير قادر على كتابة سطر واحد، عندها يحاصرني الشك، هل أنا كاتبة جيدة كما يقولون؟ هل أنا كاتبة أساساً كما أعتقد؟ هل هذا هو مجالي حقاً؟ هل قضيت العمر في الطريق الخاطئ؟
إنها تسعة عشر عاماً بالتمام والكمال، السنوات تتراكم واحدة بعد الأخرى، لكن لا يعني ذلك أي شيء، قد تكون مخطئاً وكل ما بدأته وسلكت دروبه لأسباب غير منطقية.
ما يؤلم في الكتابة إنها هواية ومهارة وعمل عقلي وعاطفي، أنت تُعمِل عقلك لعدد كبير من المرات وتصرف مشاعرك بغزارة، وهذا يجعلك تعود دائماً للتساؤلات الجذرية، لا يوجد الكثير من المهن التي يفترض بك أن تضع قيمك ومعارفك وسلوكياتك على المحك وفي الاختبار بشكل دائم كما تفعل الكتابة، إنه ثقيل، إنه عسير، إنه يحطم الجمجمة.
ثم يتملكني خوف يدك أركاني دكا، لا أفتح الحاسوب حتى.
تمر الأوقات بفجاجة كلما نويت أن أتحدى تلك الغمامة السوداء وأكتب، تتسرب من بين يدي، وتجابهني أعاصير المهام اليومية، وكل محاولاتي الفاشلة للكتابة، ويسخر مني يأسي وإحباطي، وقلة حيلتي.
إلا إنني وكأنها لعنة أعود دائماً، أختار العودة، وأجبر على العودة، دون سبب، كما لم أعرف سبب البعد، لا أعرف سبب العودة، وكأن تلك الفترات العصبية لم تحدث، وكأنني لم أتوقف عن الكتابة يوماً، فالكتابة تملك زمام حياتي، روحي لا تهنأ إلا في حضرتها، ألمها كأس اللذة الذي أسقى منه المسرات، وأوقاتها المعذِبة ساحات فردوس ترتع فيها روحي الظمآنة للسحر والجمال.
لذا حتى وأنا بعيدة كل البعد عن الكتابة الآن، أعلم يقيناً إنني سأعود، سيأتي ذلك اليوم، حيث تعود الحياة إلى قلبي مجدداً.
اضافةتعليق
التعليقات