مع لماذا اخترت هذا الصديق الذي تبين لي في مواقف عديدة عدم وفائه وصدقه، ولماذا اتخذت من هذا الفكر أيديولوجية لي وانا أعلم قصوره وفساد نظريته، ولماذا اتخذت منهم قادة أتولاهم وقد تبين لي سقوطهم في مواجهة تحديات الحياة، ومثل هذه التساؤلات كثيرة تتردد على كل واحد منا نحن البشر في جميع مواقع الحياة من يحدد صلاح اختياري أو فساده؟ ليس في اختيار الأعمال أو الدراسة والرجال فحسب بل في اتخاذ المواقف مما يجري حولنا ابتداء في علاقتنا مع آبائنا وأولادنا وأزواجنا ومروراً في علاقاتنا الاجتماعية وانتهاءً بما يجري في العالم؟
ومن المعايير الأساسية التي تدعم الاختيارات السليمة للإنسان عن غيرها هي الذكاء وهي قدرة عقلية على التحليل والاختيار واتخاذ القرار السليم، والذكاء هو القدرة على كشف الحقائق التي تختفي وراء الأمور المتشابهة والامكانية على تحليل الأمور المبهمة في الحياة كالقدرة على كشف اللص من بين عشرات المتهمين عند رجل الشرطة الذكي، أو كشف السلعة المربحة في التعامل التجاري من بين جميع السلع الأخرى عند التاجر الذي يتميز بالذكاء الحاذق، أو اختيار الصديق الوفي من بين الناس الذين يعرفهم عند الإنسان الذكي في العلاقات الاجتماعية، أو اختيار الفكر والأيديولوجية الصائبة من بين زحام النظريات الايديولوجية المتصارعة عند الإنسان الذكي في اختياره للعقيدة والمذهب أو اختيار الزوجة الصالحة التي تنسجم مع الصبغة العامة للشخصية من بين فتيات كثيرات يتسابقن جميعا في الجمال والحسب والجاه عند الزوج الذكي.
أو اختيار الحل الصائب الذي يضمن سلامة الشخصية من قبل الشخص، والمبدأ قبل الحسابات الضيقة الأخرى ورضا الله قبل رضا السلطان من بين عشرات الخيارات والحلول المطروحة عند اشتداد الفتن وتضارب الآراء وتشابه المذاهب عند الإنسان الرسالي الذكي.
هذه القدرة الخلاقة على الاختيار والكشف والتحليل بشتى أنواعها هي التي تعكس عن ذكاء صاحبها وتحدد مدى قوتها من ضعفها ومراتبها لأن للذكاء درجات ومراتب وقد حددها علماء النفس بمائة نقطة تزيد ليكون صاحبها أكثر ذكاءً أو تقل، وقد اتفق العلماء على أن الذكاء ودرجته عنصر وراثي يرثه الإنسان من أبويه عبر الجينات الوراثية المحمولة على الكروموسوم، وقد خرج نفر من العلماء على هذه القاعدة واعتبروا الذكاء عنصرا يكتسبه الإنسان عن طريق تنمية المهارات العقلية والتعلم والدراسة وسواء كان الذكاء وراثياً أو مكتسباً أو الاثنين معاً فإن الناس يختلفون في الآراء والمذاهب والسياسات استنادًا إلى درجة ذكائهم وقدرتهم على اختيار الأصلح والأفضل لضمان سعادتهم ورخائهم، وهذا الاختلاف يشكل الأرضية الخصبة للخلاف على الرأي بين الناس وبالتالي اختلاف الأفكار بين الأجيال، وقدرتهم على التحكم بتلك الخلافات عبر الحوار الهادف البناء، أو اخراجها عن السيطرة باتجاه الصراع الذي يستنزف الطاقات والقدرات بين الناس والأجيال.
يطل الإنسان إلى هذه الدنيا فيتبع منهج أبويه في الحياة ويتعقب آثارهم ويقلد حركاتهم ويرث عاداتهم وآدابهم، حتى إذا بلغ رشده يبدأ رحلة البحث عن أصدقاء يتأثر بهم ويؤثر عليهم، فمرة ينجح في اختيار قرين وأخرى يفشل فيرى أناس يشاطرونه أفكاره وعاداته فيفرح لهم وينشد إليهم، وأصدقاء يخالفونه في أفكاره وعاداته فيصاب بدهشة، وقد تقوده الجرأة إلى التفحص بنفسه عن تلك الأفكار ويدعوه الفضول للنظر إلى تلك الآداب والعادات الجديدة، وتبدأ رحلة الاختيار الصعب في حياته، هل يختار هذا الصديق الذي لا يشبهه أم ذاك الذي يشاطره في نفس الأفكار والعادات.
هل يختار أفكار أهله وعاداتهم أم يمشي على الضد منها، هل يقرأ هذا الكتاب الذي يحكي أفكار أبويه أم كتاب ينطق بالفكر الآخر، وهكذا تستمر رحلة البحث وسلسلة الاختبارات والاخفاقات والنجاحات في اتباع هذا المنهج أو ذاك، لأن المنهج يرسم له معالم طريق يؤدي به إلى السلم والأمن والسعادة أو تلك الطريقة التي تكبل إرادته وحريته وتهدد سعادته وأمنه واستقراره لأن قصة الايديولوجيات لا تبدأ بالشعارات الرنانة التي يطلقها مؤسسوها بقدر ما تكشفها الأيام عن هفوات ومطبات وأزمات عادت تعصف بمصير الانسانية عندما تمكنت هذه الايديولوجية أو تلك، فلا توجد ايديولوجية على طول التاريخ الانساني لا تدعي قدرتها على قيادة البشر باتجاه الطموحات الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية، ولكن التجربة العملية المحك الأساسي لفشل هذه الايديولوجية أو نجاحها.
اضافةتعليق
التعليقات