كل الإنجازات الكبيرة تأتي من بدايات بسيطة. وبذرة كل عادة تكون عبارة عن قرار واحد بسيط. لكن مع تكرار تنفيذ ذلك القرار، تنمو العادة وتصير أقوى. فترسخ الجذور ذاتها وتنمو الفروع.
إن مهمة التخلص من عادة سيئة تشبه اجتثاث شجرة بلوط قوية من داخلنا، بينما مهمة بناء عادة حسنة تشبه غرس زهرة رقيقة ورعايتها يوماً تلو الآخر. لكن ما الذي يُحدد ما إذا كنا سنلتزم بالعادة مدة طويلة كافية لاجتياز مرحلة القدرات الكامنة والانطلاق نحو الجانب الآخر؟ ما الذي يجعل بعض الناس ينجرفون إلى عادات غير مرغوب فيها، ويجعل البعض الآخر قادرين على التمتع بالتأثيرات التراكمية للعادات الحسنة؟
عادة ما نتوقع أن يكون النجاح خطئًا. وعلى أقل تقدير نأمل أن يتحقق سريعًا. لكن في الواقع، عادة ما تأتي نتائج جهودك متأخرة. فمن الممكن أن تمضي شهور وسنوات قبل أن تدرك قيمة العمل السابق الذي تحقق. ويمكن أن يؤدي هذا إلى وجود « وادي الإحباط» الذي يشعر فيه الناس بفقدان الهمة بعد قضاء أسابيع، أو شهور من العمل الجاد، من دون تحقيق أي نتائج. ومع ذلك فهذا العمل لم يكن ضائعاً، بل كان مخزناً ببساطة. ولا تتكشف القيمة الكاملة للجهود السابقة إلا بعد مرور وقت طويل.
انس أمر الأهداف وركز على الأنظمة بدلًا منها
تذهب الحكمة الشائعة إلى أن الطريقة المثلى لتحقيق ما تريده في الحياة – الوصول إلى هيئة بدنية أفضل، أو بناء شركة ناجحة، أو الاسترخاء أكثر والقلق أقل أو قضاء وقت أكبر مع الأصدقاء والعائلة - هو وضع أهداف محددة قابلة للتنفيذ.
لسنوات عدة كانت هذه هي الطريقة التي تعاملت بها مع عاداتي أيضا. فكل عادة منها كانت عبارة عن هدف يجب الوصول إليه. فكنت أحدد أهدافا للتقديرات الدراسية التي أريد الحصول عليها، وللأوزان التي أريد أن أرفعها في صالة التدريبات البدنية، وللأرباح التي أريد أن أجنيها في شركتي. وكنت أنجح في قليل من هذه الأهداف، وأفشل في الكثير منها. وفي النهاية بدأت في إدراك أن نتائجي لم تكن مرتبطة كثيرا بالأهداف التي أحددها، بقدر ما كانت مرتبطة عن كثب بالأنظمة التي كنت أتبعها.
ما الفارق بين الأنظمة والأهداف؟
تعلمت هذا التمييز من سكوت أدامز، رسام الصور الهزلية ومبتكر شخصية دلبرت الكارتونية. إن الأهداف معنية بالنتائج التي تريد تحقيقها، أما الأنظمة فهي معنية بالعمليات التي تؤدي إلى تحقيق تلك النتائج.
• إذا كنت مدرباً، ربما يكون هدفك هو الفوز ببطولة. أما نظامك فهو الطريقة التي تستقدم بها اللاعبين، وتدير المدربين المساعدين، وتباشر بها عملية التدريب.
• وإذا كنت رائد أعمال، ربما يكون هدفك بناء شركة تساوي ملايين الدولارات. أما نظامك فهو الكيفية التي تختبر بها أفكار المنتجات، وتعين بها الموظفين، وتجري بها حملات التسويق.
والآن يأتي السؤال المهم: إذا تجاهلت تمامًا أهدافك وركزت فقط على نظامك، فهل ستتمكن من تحقيق النجاح؟
على سبيل المثال، إذا كنت مدرب كرة سلة وتجاهلت هدفك المتمثل في الفوز ببطولة وركزت فقط على مايفعله فريقك في التدرب كل يوم، فهل رغم هذا ستحقق النتائج؟
أعتقد أنك ستستطيع ذلك.
إن هدف أي رياضة هو الانتهاء بأفضل عدد ممكن من النقاط، لكن سيكون من السخف قضاء المباراة كلها وأنت تحدق في لوحة تسجيل النتائج. فالطريقة الوحيدة التي تفوز بها. أن تتحسّن كل يوم. وبحسب كلمات بيل والش، الفائز ببطولة السوبر في ثلاث مرات، فإن: «النتيجة النهائية ستتحقق من تلقاء نفسها». والأمر عينه ينطبق على مناحي الحياة الأخرى.
فإذا كنت تريد الحصول على نتائج أفضل، انس أمر تحديد الأهداف، وركز على نظامك بدلا منها. ما الذي أعنيه بهذا؟ هل الأهداف عديمة الفائدة تماماً؟
بالطبع لا؛ فالأهداف مفيدة في تحديد الاتجاه، غير أن الأنظمة، أفضل ما يحقق التقدم. ويظهر عدد من المشكلات حين تقضي وقتًا أكثر مما ينبغي في التفكير بشأن النتائج ووقتًا أقل مما ينبغي في تصميم أنظمتك.
- المشكلة الأولى: الرابحون والخاسرون لهم الأهداف عينها
تعد عملية تحديد الأهداف تجسيدا لعملية الانحياز إلى البقاء. فنحن نركز على الأشخاص الذين ربحوا – الذين كتب لهم البقاء – ونفترض مخطئين أن الأهداف الطموحة هي التي أدت إلى نجاحهم، بينما نتغافل عن الأشخاص الذين كان لهم الأهداف عينها لكنهم لم ينجحوا.
كل رياضي أولمبي يريد الفوز بميدالية ذهبية، وكل مرشح للوظيفة يريد الفوز بها. وبما أن الناجحين وغير الناجحين يتقاسمون الأهداف عينها، فلا يمكن أن يكون الهدف هو ما يحدث الفارق بين الرابحين والخاسرين. فلم يكن هدف الفوز بطواف فرنسا هو ما دفع فريق الدراجات البريطاني إلى قمة اللعبة. فمن الطبيعي أنهم أرادوا الفوز بالسباق في كل مرة سابقة، شأنهم شأن كل الفرق الأخرى. فقد كان الهدف موجوداً على الدوام. لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق نتيجة مختلفة إلا حين طبقوا «نظامًا» من التحسينات الصغيرة المتواصلة.
المشكلة الثانية: تحقيق الهدف ما هو إلا تغير لحظي
تخيل أن لديك غرفة تضرب بها الفوضى وأنك وضعت لنفسك هدفًا يتمثل في تنظيفها وتنظيمها.
إذا استجمعت طاقتك لتأدية هذه المهمة فستكون لديك غرفة نظيفة، للوقت الحالي وحسب. لكن إذا واصلت العادات المهملة القذرة نفسها التي أدت بالغرفة إلى حالة الفوضى في المقام الأول، فسريعاً ما ستجد نفسك أمام كومة جديدة من الفوضى وتأمل في الحصول على دفعة جديدة من التحفيز. ستظل تطارد النتيجة عينها لأنك لم تقم بتغيير النظام الكامن وراءها. لقد عالجت العرض من دون أن تعالج المرض.
إن تحقيق الهدف لا يغير حياتك إلا «لحظيًا». وهذه هي السمة المناقضة للبديهة في ما يتعلق بعملية التحسين. فنحن نظن بأننا بحاجة إلى تغيير نتائجنا، غير أن النتائج ليست المشكلة. فما نحن بحاجة إلى تغييره حقا الأنظمة التي تسببت في تلك النتائج. وحين تحل المشكلات على مستوى النتائج، فأنت تحلها بشكل مؤقت وحسب. لكن من أجل التحسن على الدوام، أنت بحاجة إلى حل المشكلات على مستوى الأنظمة. فإذا أصلحت المدخلات ستنصلح المخرجات من تلقاء نفسها.
المشكلة الثالثة: الأهداف تحد من سعادتك
إن الافتراض الضمني الكامن وراء أي هدف هو التالي: «بمجرد أن أحقق هدفي، سأكون سعيدا». والمشكلة المتعلقة بعقلية التركيز على الأهداف أولاً. أنك ستواصل تأجيل الشعور بالسعادة حتى تحقق الهدف المرحلي التالي. وقد وقعت في هذا الفخ مرات عدة، أعجز عن أن أحصيها. وقد كنت أعد نفسي أنني بمجرد اكتساب عشرين رطلاً من العضلات أو بعد أن تظهر شركتي في مجلة نيويورك تايمز حينها سأتمكن من الاسترخاء.
علاوة على ذلك، تخلق الأهداف صراعا من نوعية «إما أو»: فإما أن تحقق أهدافك ومن ثم تكون ناجحا، أو تفشل وتصير محبطا. فأنت تحبس نفسك عقليا في نسخة ضيقة . السعادة، وهذا أمر مضلل. ومن غير المرجح أن يتوافق مسارك الفعلي في الحياة مع الرحلة التي تضعها في عقلك عند البدء. وليس من المنطقي أن تقصر رضاءك على سيناريو وحيد بينما توجد مسارات عدة تفضي إلى النجاح.
تقدم عقلية التركيز على الأنظمة أولا الترياق المناسب. فعندما تقع في حب العملية ذاتها وليس المنتج النهائي، فلن تنتظر حتى تمنح نفسك الإذن كي تكون سعيدا. فمن الممكن أن تشعر بالرضا في أي وقت يعمل فيه نظامك. ويمكن للنظام أن يكون ناجحا بأشكال عديدة مختلفة، وليس فقط بالشكل الذي تصورته في البداية.
المشكلة الرابعة: الأهداف تتعارض مع التقدم طويل الأمد وأخيرا، يمكن للعقلية التي تركز على الأهداف أن تتسبب في تأثير «اليويو». يتدرب الكثير من العدائين لشهور، لكن بمجرد عبورهم خط النهاية يتوقفون عن التدريب. فالسباق لم يعد موجودا كي يحفزهم.
وحين يكون عملك الجاد كله منصباً على هدف محدد، فما الذي سيتبقى كي يدفعك قدما بعد أن تحقق هذا الهدف؟ لهذا السبب يجد الكثيرون أنفسهم ينكصون إلى العادات القديمة بعد تحقيق أحد الأهداف.
إن الغرض من تحديد الأهداف هو الفوز بالمباراة، بينما الغرض من بناء النظام هو الاستمرار في لعب المباراة. والتفكير طويل الأمد هو تفكير لا يعتمد على الأهداف؛ فهو ليس معنيا بأي إنجاز منفرد، وإنما معني بدورة التنقيح اللانهائي والتحسين المتواصل. وفي النهاية، إن التزامك بـ «العملية» هو الذي يحدد مقدار "تقدمك".
اضافةتعليق
التعليقات