مع أهمية النجاح في حياة المسلم بلا جدال، لكن ألا ترون أن التركيز عليه تجاوز الحدود، وصار المرء يشعر وكأنه صار أكثر أهمية من التقوى والصلاح؟
لا أعتقد أننا بلغنا الحدود المطلوبة لوعي الناس بأهمية النجاح، فالسواد الأعظم من المسلمين ما زال بعيدًا عن استيعاب مفاهيم النجاح وأكثر بعدًا عن برمجة حياته وفقًا لمتطلبات النجاح. فالنسبة العالية من الأميين بيننا والتي ما زالت في الحد الأوسط تقارب الأربعين بالمئة. والنسبة العالية من الذين يحسنون القراءة لكنهم عملياً لا يقرؤون؛ والنسبة العالية من الذين يقرؤون لكنهم لا يهتمون بالنجاح هذه النسب السلبية العالية بين أبناء الأمة تجعلنا نعتقد بأن
بيننا وبين بلوغ مرحلة (التشبع) بقضية النجاح أشواطا بعيدة، علينا أن نقطعها.
ومن وجه ثانٍ فإن مفاهيم النجاح ليست جامدة ومتحجرة، بل هي متطورة، كما أن الذائقة الثقافية لدى الناس هي الأخرى في حالة من التطور، وهذا يجعلنا في حاجة ماسة إلى تطوير الخطاب المتعلق بمسائل النجاح ومفاهيمه. وعلى كل حال فالحديث عن النجاح يجب أن يظل جزءًا من حركة التربية لدينا: تربية الصغار والتربية الذاتية.
حين ندعو إلى النجاح بالطريقة الصحيحة، وحين تطرح مفاهيمه وفق الرؤية الإسلامية فإن الحديث عن الصلاح لا يكون أبدا على حساب النجاح، كما أن الحديث عن النجاح لا يكون على حساب الحديث عن الصلاح، فأعمال الإنسان في الرؤية الإسلامية كل لا يتجزأ، وأعمال الدنيا يجب أن تظل باستمرار متصلة بالنجاح الأخروي ومنضبطة بمعاييره ومتطلباته وحسبك في هذا قول الله - جل وعلا --: (و قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ ) [الأنعام: ١٦٢، ١٦٣ ].
لكن يؤسفني القول: إن كثيرًا من المثقفين وكثيرا من الإعلاميين والتربويين لا يطرحون مسألة النجاح كما يجب أن تُطرح، ومن ثم فإنهم يوحون للناشئة وللشباب بأن الواحد منهم إذا استطاع أن يستحوذ على الثروة والقوة والنفوذ فقد صار ناجحًا بقطع النظر عن الطرق التي تم بها الوصول إلى ذلك، وبقطع النظر عن طرق استخدام هذه الأمور وطرق إدارتها. ومن هنا فإن ملاحظتك تكون في مكانها.
اضافةتعليق
التعليقات