يدور جدل عنيف في أوساط الأكاديميين الأمريكيين حول ما يعتبرونه أزمة حادة في تربية الفكر الأصيل لدى الطلاب، فهنالك من يدين المناهج التربوية الحالية في كونها قد أتلفت عقول هؤلاء الطلاب، وأفقدتهم صلتهم بماضيهم، وقدرتهم على رؤية حاضرهم، واستشراف مستقبلهم بالتالي.
ويطالب هذا الفريق بضرورة العودة الى الأصول، وتدريس تاريخ تطور الفكر الإنساني، وقراءة أمهات الكتب، فهي بمنزلة المنارة التي نرى من خلالها الكثير عن عالمنا وذواتنا، أما الفريق المعارض لهذا التوجه، فيرى ضرورة أن توضع الأسئلة الكبرى جانبا، ويركز على إشكاليات الثقافة الراهنة، من قبيل تلك المتعلقة التفرقة العنصرية والعرقية والبطالة، والقضايا النسوية، وحقوق الانسان وخلافه.
من السهل علينا أن ندرك صلة هذا الجدل الأكاديمي التربوي في مقام الحديث عن مثقف الحداثة وما بعدها، ولا شك في أن واضعي مناهج تعليم الفلسفة والإنسانيات يمكن أن يجدوا صيغة وسطى، لا غنى عنها، للتوفيق بين هذين الموقفين المتناقضين، أو هكذا يبدوان.
ولا يخفى عل أحد أننا نواجه تحديا حقيقيا في تربية الفكر الثقافي العربي في تدريس علوم الانسانيات عموما، والفلسفة بصفة خاصة، فعلى الأقل لابد للمناهج أن تغطي الخلفية الأساسية من علوم اللغة وفلسفتها، مناهج الفكر الحديث وفلسفة العلم ونظرية النظم ونظرية المعلومات. وبغض النظر عن تفاصيل المقررات والمناهج، يظل التحدي في شأن ذلك هو توافر كوادر هيئات التدريس القادرة على عبور حواجز التخصص، واستيعاب مغزى المتغير المعلوماتي، واللحاق بما يجري حالياً في تطوير مناهج البحث في علوم الانسانيات. من جانب آخر، علينا التصدي بحزم ضد تلك الفئة القليلة من أصحاب النظرة القاصرة لمفهوم أسلمة المعرفة، من بين أعضاء هيئة التدريس، والذين عادة ما يلقنون طلبتهم ما يعتقدونه، لا ما يحتاج هؤلاء الطلبة إلى أن يعرفوه.
كما ان لدى المبدعين العرب فرصة حقيقية للإبداع الثقافي، وستتعرض المجتمعات العربية لتحديات ثقافية قاسية ومستحدثة، لا تجدي معها الحلول المستوردة، ولا يقدر عليها إلاّ إبداع أبنائها، خاصة فيما يتعلق بإيجاد حلول مبتكرة، للتوفيق بين نقص الموارد وأهداف التنمية الاجتماعية، ولا شك في ان اللغة سيكون لهم دور مهم في اشعال جذوة الابداع الثقافي، مما يستوجب اعتبارها مدخلا أساسيا لتنمية الابداع، وينصح في صدد انشاء عدد من المراكز المتخصصة في بحوث ثقافة المعلومات، وإعادة النظر في استراتيجيات المراكز القائمة بالفعل.
اضافةتعليق
التعليقات