الاستبطان أو التأمل الباطني منهج ينفرد به علم النفس عن غيره من العلوم بل هو أقدم منهج من مناهجه. وهو طريقة من طرق الملاحظة. ويتأمل فيها الفرد ما يجري في شعوره ويخبرنا به، وقد اتبع علماء النفس التجريبيون هذا المنهج في دراساتهم للعمليات النفسية وذلك بتعريض الأفراد لمؤثرات معينة ثم يسألونهم عن أثر هذه المؤثرات. وقد أدت هذه الطريقة إلى معرفة العناصر المختلفة التي تتكون منها الإحساسات وقد وجهت إلى هذا المنهج اعتراضات عدة ملخصها فيما يلي:
1 - إن الحالات النفسية الشعورية معقدة دائماً، سريعة التغير، وسريعة الزوال فملاحظتها ووصفها بدقة أمر متعذر إن لم يكن محالاً. وهو اعتراض مقبول ولكنه لا يمنع من استخدام التأمل الباطني لدراسة الحالات الشعورية البسيطة خاصة إذا كان الشخص المستبطن مدرباً على هذه العملية.
۲ - من عيوب التأمل الباطني أو الاستبطان أن الشخص المستبطن ينقسم في أثنائه إلى ملاحظ وملاحظ في آن واحد. وهذا من شأنه أن يغير الحالة النفسية الشعورية التي يريد وصفها وتحليلها، فالهدوء اللازم للملاحظة يغير حالة الحزن أو الخوف التي يلاحظها الشخص، كما أنه يخفف من حدة غضبه إذا كان يستبطن انفعال الغضب مثلاً . غير أنه يحسن أن نضيف أن الاستبطان في الواقع يعتبر حالة تذكر مباشر ذلك أن ملاحظة الحالة الشعورية ومعرفتها لا يمكن أن تكون معاصرة للحالة نفسها، وإنما يمكن تأمل الحالة الشعورية عقب حدوثها مباشرة. وبالتدريب يمكن أن تكون نتائج هذا التأمل صادقة ودقيقة.
3 - من أوجه الاعتراضات أنه منهج يقوم على الملاحظة الذاتية فلا يصلح أساساً للدراسة العلمية. ويقصد بالملاحظة الذاتية الملاحظة التي لا يشترك فيها مع صاحبها أحد غيره فلا يمكن أن يخبرها وأن يختبرها ملاحظ ان حفل إلا بالوقائع والظواهر الموضوعية أي الوقائع والظواهر الخارج أن يبحثها وأن يتحققها أكثر من واحد، أو التي يمكن أن يعبر عنها تعبيراً موضوعياً وليس ذاتياً. والواقع أن أية حالة شعورية ذاتية كالتفكير مثلاً لا يمكن أن تكون موضوع دراسة علمية إن لم يعبر عنها صاحبها، وهنا تظهر ضرورة تعبير الفرد عن انفعالاته وأفكاره وضرورة استخدام التأمل الباطني في كثير من الحالات.
4 - مما يعترض به على الاستبطان حين يستخدم وسيلة للتحليل الذاتي Self - analysis أن نتائجه يشوهها غالباً ما لدى الشخص من ميول شخصية ورغبات وأهواء وانحيازات واتجاهات نفسية سابقة. غير أن هذه العيوب والاعتراضات لا تكفي لطرح هذا المنهج جانباً وذلك للأسباب الآتية:
1 – أن الاستبطان يقوم بدور هام في علم النفس التجريبي حين نسأل الشخص الذي تجري عليه التجربة أن يصف لنا ما يسمع أو ما يرى أو ما يشعر به مثلاً ، كما تعتمد استخبارات الشخصية على الاستبطان حينها تطلب من الشخص أن يجيب عن أسئلة تلقي الضوء على ما لديه من ميول ورغبات أو مخاوف واتجاهات، ومن أمثلة أسئلة اختبارات الشخصية ما يلي:
ا- هل تشعر بالضيق حين تندمج مع مجموعة جديدة من الناس؟. هل يشرد انتباهك بسهولة وأنت تقوم بعمل ذهني؟
۲ - الاستيطان هو المصدر الوحيد لدراسة بعض الظواهر النفسية كالأحلام، وأحلام اليقظة والخبرات الشعورية في أثناء عملية التعلم، والحالة الوجدانية في أثناء الانفعال، وتحليل الحالة الشعورية في لحظة ما.
3 - هناك أحوال لا يجدي في بحثها الاقتصار على دراسة السلوك الظاهر للناس، كما لو أردنا أن نعرف الفروق بين مجموعة من الناس من حيث ميلهم إلى أنواع معينة من الطعام مثلاً .
٢ - الملاحظة Olservation : الملاحظة هي مراقبة السلوك كما يحدث وتسجيل ما يراقب لغرض علمي أو عملي كمراقبة طفل في أثناء انفعال الخوف أو في أثناء عملية التعلم. والملاحظة إما عارضة أو مقصودة. فالملاحظة العارضة تحدث دون تفكير سابق أو رغبة سابقة، وهي وإن كان لها أهميتها وتؤدي في كثير من الحالات إلى كشوف ذات بال، كما حدث في الكشف عن البنسلين مثلاً، فإنه لا يمكن الاعتماد عليها في علم النفس، بل يكفي أنها تؤدي بنا إلى ملاحظة ظاهرة ما ملاحظة مقصودة. أما الملاحظة المقصودة فهي توجيه الانتباه إلى الظواهر والوقائع لإدراك ما بينها من صلات وروابط، وذلك دون أن نحاول السيطرة على هذه الظواهر وفي علم النفس نستخدم الملاحظة المقصودة أو الملاحظة الموضوعية في دراسة سلوك الفرد في المجال الطبيعي الذي يوجد فيه. ويكثر استخدامها في علم النفس الاجتماعي في بحوثه الاستطلاعية لجمع البيانات والحقائق عن بعض الموضوعات المعينة مثل ماهية الطرق والأساليب المختلفة التي يستخدمها الآباء في تربية الأطفال. كما يستخدم علم نفس الطفل هذا المنهج لدراسة نمو الطفل وخصائص النمو في كل مرحلة من مراحل النمو ، حتى يمكن أن يفيد منها الدارسون والمتخصصون في التربية والمدرسون والآباء لمعاملة الطفل المعاملة التي تتناسب مع خصائص مرحلة النمو التي يمر بها الطفل. كما يستخدم علم نفس الشواذ المنهج نفسه في دراسة العوامل الاجتماعية التي تؤدي إلى ذيوع الأمراض النفسية (العصابية) أو العقلية (الذهانية)، أو معرفة الأنماط الأساسية لاضطراب الشخصية مثلاً.
اضافةتعليق
التعليقات