وقف عبدالله مبهوتاً أمام العاصفة الهائجة التي هبت لتطفىء فعل الخطيئة، كان والده عصبياً لأنه لا يستطيع السكوت أمام فعل ولده.
قال الأب صارخاً:
- لماذا تفعل هذا؟؟
ظل عبد الله مستغرباً وساكناً بالرغم من هبوب رياح الإيمان على مستودع لنفسه الامارة بالسوء.. ورد بإستغراب واستفهام:
- ماذا تقصد يا أبي؟؟
- أنت تعرف جيداً ولا تريد الاعتراف بـذنبك، تأخذك العزة بالاثم لقد كنت اراقبك عن كثب.
يحاول ولده امتصاص غضب أبيه بسكوته وهدوءه.
مزق نور قلب أبيه ظلمة نفسه التي كانت تسود جسده ويحاول الدفاع عن نفسه.
- اسمعني يا أبي.
يقاطعه الأب بصرامة الإيمان التي انتصرت على عبد الله في لحظة ما.
- كنت تفترسها بنظراتك من رأسها إلى اخمص قدميها لقد هربت الفتاة من سطح دارها حياءً منك وحفاظاً على عفتها بعدما احست بـسهام الشيطان تأكل جسدها بشراهة.
انطفأت ثورة الأب وبقي عبد الله فاغراً فاه ولم يسعفه عقله ولا لسانه، تجمد عقله فلا يقدر على شيء وتذكر أفعال الماضي وانتبه لـنفسه قد تجددت في نفسه الرياح السوداء من جديد ولـكنه استعاذ بالله من الشيطان وبـهدوء أسقط الأب جسده على اريكة بـجانبه وقال:
ولدي عبد الله (يـقـيـن) فتاة مؤمنة ومؤدبة غاية الأدب ومع هذا هي ابنة جارنا (سـعـيـد) ولا أريد يابني ان يتكرر هذا الفعل وإياك ان يقودك طمع نفسك إلى حب الشهوات والملذات بـل يجب عليك ان تطمع في كرم عقلك.
خرج الأب منزعجاً من فعل ابنه، بقي عبد الله يدور في غرفته وعصفت الرياح من كل جانب وخيم عليه جو كئيب، أراد أن ينفذ ولو من كوة صغيرة لـيتنفس الهواء النقي بعدما أفسده فعل الخطيئة وطالما شهدت هذه الساحة الكثير من النزالات وكانت بين كر وفر أحياناً يقتل العقل بـسيف الشهوة والملذات وبـالرغم من كل هذا يبقى منتصراً مضرجاً بـنوره السرمدي.
- صوت العقل: عبد الله أنت مسيء وقد كانت نظرتك سهماً من سهام الشيطان فأستغفر لذنبك واعرض عن هذا لا يليق بك ولا بغيرك هذا الفعل.
- هذيان النفس: بـالعكس ياعبدالله كانت مجرد نظرة عابرة ماذا حصل ثم من حقك أن تنظر إلى الجمال الذي خلقه الله.
-صوت العقل: لا، لا، انها النفس الامارة بالسوء ووساوس الشيطان أحذر من الهاوية.
- هذيان النفس: لماذا تعطي الموضوع كل هذه المساحة من الإهتمام، ماذا فعلت..
أحدثت هذه الدوامة ضجة كبرى وامتزجت كل الأشياء في داخل عبد الله، بقي وحيداً وعليه مواجهة الموقف بكل قوة وكلٌ ينحاز إلى صوته وموقفه وكل حزب بما لديهم فرحون، لا بد من حسم ونهاية لهذا الحال، مـر شريط الرحمة والعدل بسرعة البرق في عقله واشعل نبراس الهداية، فأنتشل عبدالله من وحل الرذيلة "قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم". إنهار أمام هذا النور الساطع وهذا الخلق العظيم، بـكى بـمرارة وحرقة، أحس بحنان كف أمتدت إليه تربت على كتفه، التفت، عانق وجه أبيه، بادره الأب بحنان ورأفة.
- ولدي لم أقصد اهانتك أو الحط من شأنك ولـكن هذا لا يليق بك ولا بـغيرك، ان النظرة الخائنة لأعراض الناس سهم من سهام الشيطان، فأحذر ياولدي من حبائله ومكائده هذا يجرك إلى ما لا تحمد عقباه، أرخى عبدالله رأسه على صدره خجلاً من الله، مـد الأب يده إلى رأس ابنه بهدوء وقال:
-بني لا تكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، هـز الابن رأسه علامة الإيجاب.
- ولدي اجعل الله نصب عينيك، إذا همت بـالمعصية فـتذكر الله وعقابه، وإذا قمت بعمل صالح فـتذكر الله أيضاً على أن تنجز هذا العمل ويحقق لك مرضاته سبحانه وتعالى.
قبّل عبدالله رأس أبيه شاكراً له معروفه وخرج الأب وعليه إمارات الرضا والدعوات لا تفارق لسانه وقلبه لأبنه البار.
توجه عبدالله إلى محراب الصلاة، لم تستطع قدماه حمله، جـثـا على ركبتيه، بكى بـمرارة يشوبها حزن وأسف على ماسلف. مـد يدين مملوءتين بـالذنوب إلى مولاه، يارب أغفر لي وتجاوز عن ذنبي وفعلي إني ظلمت نفسي. ازدادت حدة البـكاء، انهمرت دموعه بـغزارة على خديه لتغسل معها ماعلق من خطيئة.
اضافةتعليق
التعليقات