في كل عام يتجدد العشق الحسيني في ملحمة العشق الخالدة تلك الملحمة العظيمة وهي زيارة الاأربعين التي تشهد قمة الجنون الحسيني وتتمثل بعشاق الامام الحسين (عليه السلام) الذين يرسمون أعظم صور الحب الحسيني في كربلاء المقدسة.
في كل عام عندما أرى هذه الجموع الغفيرة من كل بقاع العالم تجتمع تحت راية الامام الحسين (عليه السلام) أتحدث مع نفسي ماذا فعل الامام الحسين (عليه السلام) لينال هذه المكانة العالية والمرتبة المشرفة وأفتخر أنني من هؤلاء المجانين وأفتخر أنني حسينية زينبية واعتدت أن أنقل الصور الجميلة التي أراها في زيارة الأربعين وأعتبرها ضمن العشق الحسيني.
في هذا العام قررت أن ألتقي بعشاق الحسين (عليه السلام) لكي أنقل مشاعرهم وأعرف السر خلف هذا العشق وخرجت عازمة لألتقي بعشاق أبا عبدالله (عليه السلام). وأول عاشق استقبلني هو نسمات هواء الخريف المغردة جاءت مسرعة لتشارك ضيوف الحسين مسيرتهم وتمسح ذرات عرقهم المتطايرة بذرات الهواء العطرة ونسماته العذبة.
ليت جميع الأيام زيارة الأربعين
وأثناء مسيري وأنا انظر إلى البيوتات الكربلائية وهم يستقبلون زوار الحسين (عليه السلام بكل حب ويقدمون الضيافة لهم على أتم وجه وكأنهم من أغلى ضيوفهم، بل حتى البيوت أصبحت مواكب مصغرة كل سيدة بيتها قريب على الزائرين تطبخ زاداً للزوار، الشيء الذي تستطيع عليه وحسب امكانيتها وتقدمه في صحون بلاستيكية بيد أطفالها ويقف كل طفل يتوسل الزائر أن يأخذ من ضيافته يالها من صورة رائعة للعشق الحسيني وبينما أتأمل هذا المنظر الرائع استوقفتني امرأة خمسينية خرجت من بيتها الذي كان ممتلئا بالزوار وهي ترفع يدها إلى السماء وتدعي بعبرة ليت أيامنا جميعها زيارة الأربعين، سألتها لماذا هذه الأمنية؛ أجابتني وهل يوجد أحلى من هذه الصورة الجميلة انظري إلى هذه الأجواء الروحانية الجميلة التي نعيشها كل عام في زيارة الأربعين أتمنى أن تبقى هذه الأجواء طيلة العام.
قلت لها ألا يضايقك هذا الضجيج وهذه الأجواء بالاضافة إلى بيتك الذي أصبح فوضويا بسبب الزوار قاطعتني بإبتسامة وقالت: أبا عبدالله ضحى بروحه وعياله من أجل الدين وأنا أبخل بالبيت روحي له الفداء أباعبدالله. ياله من عشق لا يعرفه سوى العاشقين.
الحسين للجميع
أكملت طريقي في الزحف الحسيني وتهت بين المواكب الحسينية وأنا في وسط هذه المخيمات الجميلة جذب انتباهي موكبا حسينيا أصحابه ايرانيين يحتوي مايقارب العشر نساء كانت ملامحهن ممزوجة بعلامات التعب مع الفرح لم أعرف كيف أفسر تلك الوجوه البشوشة وكانت النساء مقسمات إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة تقف على تنور يخبزون الخبز صورة جميلة، والحمد لله كانت واحدة منهن تعرف العربية فسألتها منذ متى وأنتم هنا قالت منذ أسبوع تقريبا ويوميا نخبز أنا وصديقاتي من الصباح إلى المساء، سألتها ألم تتعبوا من هذا العمل أجابت على العكس نحن نشعر بسعادة كبيرة ونشعر بأننا مقصرين اتجاه ضيوف الحسين (عليه السلام) قلت لها: أنتن ضيوف والمفروض نحن من نخدمكم أجابتني الحسين (عليه السلام) ومحبته للجميع. ونحن جميعا نسعى لنيل شفاعة أباعبد الله.
نحن عشاق
وبينما أكملت طريقي لاستكشاف بقية العشاق وإذا بشاب بانت عليه علامات الوقار يكنس أمام أحد المواكب الحسينية سألته لماذا تفعل هذا استغرب سؤالي، وكأنه هذا العادي، قال لي وما المعيب بهذا الشيء هذا واجبي وأنا خادم لخدام الحسين (عليه السلام) فكيف بزواره فهؤلاء ضيوفنا ونحن بخدمتهم، علماً أنا من البصرة وأنا أستاذ جامعي وأفتخر بكوني خادم لأبا عبد الله (عليه السلام) فنحن عشاق الحسين.
صغيرا واحتوى قلبي هواك
امتلأ قلبي فرحا بهذه الصور المشرقة وتعبت من الطريق وجلست على الرصيف لأتأمل هذا العشق بعين عاشقة للامام الحسين (عليه السلام) جاءني طفل وبيده صحن كبير مملوء بكاسات عصير كان شكله جميلا وعمره لا يتعدى الثمان سنوات سألته لماذا تستضيفني فأنا لم أزورك في بيتك وهذا ليس من واجبك أجابني وكيف ذلك أنتم على رأسي وأنا أخدمكم لأنكم ضيوف الحسين (عليه السلام) وضيوف الحسين ضيوفنا، رد بليغ من طفل صغير، إنَّ عشاقك يا ابا عبدالله قد كسبوا فصاحة اللسان من آل البيت (عليهم السلام).
حجيج كربلاء
هممت لأكمل تلك المسيرة الحسينية وأثناء ذلك مشت إلى جانبي مجموعة من النسوة كان على مايبدوا عليهن أنهن لسن من العراق سألت احداهن من أي دولة أجابتني بإبتسامه رغم التعب الذي كان واضحا جدا على ملامحها أنها من لبنان رحبت بها واستدرجت لسؤالها ولكن أليس تعب عليكن هذا الطريق وخاصة أجواء زيارة الأربعين لماذا لم تختاروا وقتا آخر، قاطعتني ماذا تقولين نحن نستعد لزيارة الأربعين كل عام ونهتم بها كما لوكنا ذاهبين إلى حجة بيت الله فنحن جئنا من النجف إلى كربلاء سيرا على الأقدام واليوم وصلنا إلى كربلاء المقدسة وعندما دخلنا لزيارة حبيب الشيعة ومواليه الإمام الحسين (عليه السلام) كان شعور الفرح بهذه الزيارة لا يوصف فلم تترجمه غير دموعنا وكيف نترك هذا الشعور الذي ننتظره من عام إلى عام.
يقول الامام جعفر الصادق (عليه السلام): إنّ أيام زائري الحسين عليه السلام لا تُحسب من أعمارهم ولا تُعد من أجالهم.
فهنيئا لكم زيارة الامام الحسين عليه السلام.
صورة انسانية
كل موالي ومحب سيشعر بفرح كبير حيال هذه الجماهير العاشقة وأكملت مسيرتي مع وفود العاشقين ووقفت لأشرب الماء من أحد المواكب وأخذت أتأمل الزوار بكل حب وفخر مد يده صاحب الموكب ليقدم لي فاكهة اخذتها منه وشكرته ولكن تفاجئت أن صاحب الموكب ليس عربيا، إنه اجنبي وتحديدًا صيني أو كوري التفت يمينا ويسارا رأيت المترجم قلت له ماهذا الموكب قال إنه موكب خاص بالشركات الصينية لبناء المدارس في كربلاء، استسمحته أن ينقل سؤالي إلى صاحب الموكب عن السبب الرئيسي خلف تشييد هذا الموكب أجابني هذا عامنا الأول في كربلاء وتفاجئنا بهذه الحشود الكبيرة التي جاءت لزيارة الحسين تلك الشخصية التي تحمل كل معاني الانسانية والتضحية لذا قررنا مشاركتهم بهذه الصورة الانسانية وتقديم الوجبات الغذائية لزائرين الحسين (عليه السلام) وأنا سعيد جدا بمشاركتي.
نعم هذه كربلاء سرٌّ عظيم من أسرار السماء، تجلّت بأبهى صورة، وها هي جموع العاشقين تقطع الفيافي والمسافات الطويلة من كل حدبٍ وصوب.. ليكون الموعد (كربلاء).
إنها فلسفة العشق الحسيني التي استطاعت أن تحافظ على بقائها منذ قرون عبر الأجيال وهذا العشق ليس خاصاً بالموالين فقط بل أصبح عشقا يمتد من الموالين لأهل البيت إلى ديننا الإسلامي ليعم كل البشرية جمعاء ولتصبح راية الإمام الحسين (عليه السلام) راية تلتف حولها كل الطوائف والمذاهب والأديان.
اكتملت لوحتي الجميلة حول عشاق الحسين (عليه السلام) وهنالك عشق أكبر وعشاق كثر فإذا كان من الحب ما قتل، ومن العشق ما جنن؛ فإن حب الإمام الحسين وعشقه فيه كل الخير والفلاح.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "إنّ الرجل ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام فله إذا خرج من أهله بأوّل خطوة مغفرة ذنوبه، ثمّ لم يزل يقدس بكلّ خطوة حتّى يأتيه، فإذا أتاه ناجاه الله تعالى فقال: عبدي سلني اعطك، ادعني اجبك، اطلب مني اعطك، سلني حاجةً اقضها لك".
اضافةتعليق
التعليقات