قد تبدو بداية العام الجديد فرصة للعمل على تحسين الذات، لكن هناك أسباب نفسية جيدة للقيام بذلك.
في كل عام تقريبًا من حياتي كشخص بالغ، أبدأ العام الجديد بمجموعة من القرارات وأصمم على الالتزام بها. وكما هو متوقع، تكون النتائج متغيرة.
في عام 2021، حافظت في الغالب على هدفي فيما يتعلق باللياقة البدنية والمتمثل في ممارسة تمرين "التدريب المتقطع عالي الكثافة" لمدة 20 دقيقة كل يوم، لكنني فشلت فشلاً ذريعًا في هدفي المتمثل في الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي. ووفقًا لتقارير وقت الشاشة الأسبوعية، ما زلت أقضي ما بين ساعتين وثلاث ساعات كل يوم على هاتفي.
ولست وحدي من يصمم على بداية كل عام جديد بوضع خطة لتحسين الذات. فعادة ما يتخذ 25 في المئة من الأشخاص على الأقل قرارًا واحدًا على الأقل مع بداية العام الجديد، وينتهي جزء كبير من تلك النوايا الحسنة بخيبة أمل.
وبالنسبة لأولئك الذين لا يتبعون هذا التقليد، قد يبدو اتخاذ قرار مع بداية العام الجديد شيئا غير منطقي. لكن من الناحية المنطقية، لا ينبغي أن يكون الأول من يناير (كانون الثاني) أفضل من أي يوم آخر لإحداث تغيير في الحياة - فلماذا نضع ضغطًا لا داعي له على أنفسنا من أجل "الارتقاء" بحياتنا عند بداية العام الجديد؟
ومع ذلك، تشير أبحاث نفسية حديثة إلى أن هناك العديد من الأسباب الوجيهة لبدء نظام جديد في اليوم الأول من العام الجديد. ومن خلال فهم هذه الآليات والاستفادة منها، يمكننا جميعًا زيادة فرصنا في الالتزام بأهدافنا الجديدة لعام 2022.
من الصعب أن نحدد بالضبط متى بدأت عادة اتخاذ القرارات مع بداية السنة الجديدة لأول مرة. تشير آنا كاتارينا شافنر، مؤرخة ثقافية ومؤلفة كتاب "فن تحسين الذات"، إلى أن الإشارات الأدبية إلى تحسين الذات تعود إلى قرون مضت، وإلى العصور الصينية القديمة والرواقية الرومانية، على سبيل المثال.
وكانت ممارسة ربط الأهداف بتاريخ تقويمي معين راسخة بالفعل بحلول الستينيات من القرن التاسع عشر، كما رأينا في إحدى رسائل مارك توين.
كتب مارك توين في الأول من يناير /كانون الثاني عام 1863: "بالأمس دخن الجميع سجائرهم الأخيرة، وتناولوا شرابهم الأخير، وأقسموا اليمين الأخيرة. واليوم، نحن مجتمع تقي ومثالي. وبعد ثلاثين يومًا من الآن، سنكون قد ألقينا بإصلاحاتنا في مهب الريح وذهبنا إلى تقليص أوجه القصور القديمة لدينا بشكل ملحوظ أكثر من أي وقت مضى. سوف نفكر أيضًا بسرور في كيفية قيامنا بنفس الشيء القديم العام الماضي في هذا الوقت".
ومن وجهة نظر شافنر، ليس من قبيل المصادفة أن يكون كثيرون منا حريصين بشكل خاص على إجراء تغييرات إيجابية بعد موسم الأعياد الممتع، وتقول: "لقد أفرطت في الانغماس في الملذات، والآن حان وقت التطهير". ومن الجدير بالملاحظة، كما تقول، أن العديد من القرارات تركز على الامتناع عن تناول الكحوليات أو ممارسة الجنس - التخلي عن عاداتنا السيئة لتطهير أجسادنا وأرواحنا.
لا يمكن أن يفسر "مبدأ النقاء" بمفرده ميلنا لاتخاذ قرارات مع بداية السنة الجديدة، فالكثيرين منا قد يقطعون على أنفسهم وعودا بالقيام بأشياء معينة بعد احتفالات رصينة نسبيًا. والعديد من أهدافنا تتعلق بالعمل أو المساعي الشخصية التي لا علاقة لها بالتكفير الروحي والجسدي. إذا، هل هناك شيء مميز في التاريخ نفسه يجعل التغيير الشخصي، من أي نوع، مغريًا؟
تأتي بعض الأدلة من الطريقة التي ينظم بها الدماغ ذكرياته، إذ وجد علماء النفس أنه بدلاً من رؤية حياتنا على أنها سلسلة متصلة، فإننا نميل إلى صياغة سرد مقسم إلى "فصول" منفصلة تحدد المراحل المختلفة من حياتنا.
تقول كاتي ميلكمان، أستاذة علم النفس في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا ومؤلفة كتاب "كيف تتغير": "يميل الناس إلى التفكير في الحياة كما لو كانوا شخصيات في كتاب".
قد تصف هذه الفصول أحداث الحياة الكبرى - مثل الالتحاق بالجامعة أو الزواج أو ولادة طفلك الأول. لكن يمكن لعقلك أيضًا تقسيم هذه الفصول الرئيسية إلى أقسام أصغر، وبالتالي يمكن أن تمثل بداية العام الجديد انقطاعا أو فاصلا في هذا السرد.
تقول ميلكمان: "في أي وقت يكون لديك فيه لحظة تبدو وكأنها تقسيم للوقت، يقوم عقلك بعمل خاص يجعلك تشعر بأن لديك بداية جديدة. أنت تقلب الصفحة، ولديك صفحة نظيفة الآن، إنها بداية جديدة".
ويساعدك هذا على خلق مسافة نفسية بعيدا عن حالات الفشل السابقة، كما تقول، وهو ما يسمح لك بالشعور بأن أي خطأ يقع إنما ارتكبته "شخصيتك القديمة" وأنك ستتصرف الآن بشكل أفضل. ففي الأول من يناير/كانون الثاني، يمكنني أن أعتقد أن كل ما أهدرته من وقتي على تويتر كان "ديفيد 2021"، في حين أن "ديفيد 2022" سيحظى بتركيز وتفاني زادي سميث، التي تتجنب بطريقة ما وسائل التواصل الاجتماعي (أو أي إلهاء آخر عبر الإنترنت) وهي تكتب روائعها.
عملت ميلكمان مع جيسون ريس، بجامعة هارفارد، وطالبة الدكتوراه هنغشين داي، وهي الآن أستاذة في كلية الإدارة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، لإجراء بحث عن "تأثير البداية الجديدة" في أماكن مختلفة. وفي إحدى الدراسات، حللوا البيانات الصادرة من موقع "ستيك كيه"، وهو موقع وتطبيق شهير في مجال تحديد الأهداف يهدف إلى مساعدة الأشخاص في تحسين وتطوير أنفسهم.
ووجدت داي وميلكمان أنه لم يكن من المرجح أن يضع الأشخاص أهدافًا جديدة في بداية العام الجديد فقط - كما قد تتوقع - ولكن أيضًا بعد أي فترات راحة. وكان هناك ارتفاع طفيف في وضع الأهداف في أيام الاثنين من كل أسبوع، إذ يحاول الناس إعادة ضبط الأمور مع بداية الأسبوع الجديد وفي اليوم الأول من كل شهر.
وكدليل إضافي، اختبرت ميلكمان وريس وداي ما إذا كان بإمكانهم التمهيد لتأثير البداية الجديدة بشكل مصطنع. للقيام بذلك، دعا الباحثون أولاً المشاركين في الدراسة للتسجيل للحصول على رسالة بريد إلكتروني تذكرهم بأهدافهم - مع وجود اختلافات طفيفة في طريقة وصف تاريخ تحقيق هذه الأهداف.
فعلى سبيل المثال، عندما وجهت رسالة تذكير في 20 مارس/آذار، كان عنوانها ببساطة لبعض الطلاب "الخميس الثالث من شهر مارس" - وهو بالكاد معلم مهم - في حين كان عنوانها لطلاب آخرين "اليوم الأول من فصل الربيع" - على أمل أن يساهم ذلك في إثارة الإحساس لديهم ببداية جديدة.
وكان الطلاب الذين جرى تشجيعهم على التفكير في "بداية جديدة"، استنادًا إلى معلم زمني بارز، أكثر ميلًا لبدء عادة جديدة في صالة الألعاب الرياضية، أو تحسين عادات النوم، أو قضاء وقت أقل على وسائل التواصل الاجتماعي - مقارنةً بأولئك الذين لم يفعلوا ذلك والذين لم يروا التاريخ على أنه بداية لشيء مميز.
وبالطبع، فإن السنة الجديدة هي نقطة انطلاق مقنعة بشكل خاص، مقارنة بتلك الأحداث الأخرى. تقول ميلكمان: "إنها فصل كبير بالنسبة لمعظم الناس".
قد لا يزال المشككون يتساءلون عما إذا كانت هذه الممارسة جديرة بالاهتمام أم لا، ويعتقدون أن معظم الناس يهيئون أنفسهم للفشل فقط، لكن الحقيقة أن هذا غير صحيح، إذ تظهر البيانات المتاحة أن معدل النجاح الإجمالي أعلى مما قد يعتقده الكثيرون.
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤخرًا مؤسسة "يوجوف"، تمكن 35 في المئة من الأشخاص الذين اتخذوا قرارات من الالتزام بجميع أهدافهم، وتمكن 50 في المئة من الأشخاص من تحقيق بعض أهدافهم. هذا يعني أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يجرون على الأقل بعض التغييرات الإيجابية في حياتهم - حتى لو فشلوا أيضًا في تحقيق بعض الأهداف. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات