لا ينفك يتصفح هاتفه الجوال ويتفقد الاشعارات بين الحين والآخر، في العمل والشارع والسرير قبل النوم وعند الاستيقاض وتجده بحالة من الحزن أو الخوف والقلق المستمر إذا لم يتصفح جهازه اللوحي، حالة مرضية نفسية ظهرت مع دخول الأجهزة اللوحية إلى عالمنا الحديث يطلق عليها (النوموفوبيا) وتعرف وفق قاموس جامعة كامبريدج، على أنها الخوف أو القلق من فكرة أن تكون من دون هاتفك المحمول أو غير قادر على استخدامه، ازدادت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة تسببت جائحة كورونا وما رافقها من الإغلاق التام وتقليص أيام الدوام وايقاف التعليم الحضوري إلى ارتفاع نسبة مستخدمي الانترنت وتطبيقات الهاتف المحمول بنسب مرتفعة عما كانت عليه سابقاً، أي أن كورونا قد وفرت بيئة خصبة للاصابة بمرض (النوموفوبيا).
الرصد والإحصاء العالمي
رصد موقع "أندرويد هيدلاينز" التقني المتخصص الإحصائية التي أعدتها مؤسسة "آب آني"، أن استخدام تطبيقات الهواتف المحمولة ارتفع بنسبة 40% خلال الربع الثاني من عام 2020، وتزامن هذا بدقة مع الفترة التي قضاها معظم العالم في الإغلاق خلال جائحة كوفيد 19، ما يعني أن الناس لجأوا بشدة إلى استخدام هواتفهم المحمولة لقضاء أوقات فراغهم الطويلة.
وأشارت الدراسة إلى أن الإغلاق تسبب في ارتفاع استخدام تطبيقات الهاتف المحمول، ورصدت الإحصائية أنه خلال شهر أبريل فقط، بلغ أعلى مستوى لتحميل استخدام تطبيقات الهواتف المحمولة، والتي وصلت إلى 200 مليار ساعة، ورصدت الإحصائية أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً في استخدام بعض الدول للهواتف الذكية، تزامناً مع وصول تلك البلاد إلى ذروة تفشي "كوفيد 19" وتطبيق إجراءات إغلاق أكثر قسوة.
وأظهرت الإحصائية أن الهند مثلاً شهدت زيادة بنسبة 30%، فيما شهدت دول أوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا زيادة في تحميل التطبيقات بنسبة 30%، أما الدول التي كانت تطبق إجراءات إغلاق أقل، فكان ارتفاع تحميل التطبيقات فكان نسبة أصغر نسبيا بحوالي 15%، أما بالنسبة لنسب تحميل التطبيقات في متجر "غوغل بلاي" الإلكتروني الخاص بنظام تشغيل "أندرويد" الأكثر انتشارا في عالم الهواتف الذكية.
وأظهرت الإحصائية زيادة كبيرة في تنزيلات التطبيقات خلال فترة الإغلاق على نظام "أندرويد" بنسبة 10%، فيما ارتفعت نسبة تحميل التطبيقات بنظام تشغيل "آي أو إس" على هواتف "آيفون" بنسبة 20%، ورصدت الإحصائية أن تحميل تطبيقات الألعاب كان له نصيب الأسد في تلك التطبيقات، حيث ارتفعت بنسبة 45% على متجر "غوغل بلاي"، فيما كان تحميل الألعاب على نظام "آي أو إس" أقل بقليل حيث ارتفعت بنحو 30%.
كما كشفت الإحصائيات ارتفاع تحميل تطبيقات الصحة واللياقة والتعليم، أما عن معدل الإنفاق على تطبيقات الهواتف الذكية فارتفع خلال الربع الثاني لعام 2020 إلى أكثر من 27 مليار دولار، وشهدت كذلك تطبيقات الاجتماعات والتواصل ارتفاعاً مطرداً، وبالأخص تطبيقي "غوغل ميت" و"زووم"، وأظهرت الإحصائية تغيرا كبيرا في مدى اعتماد المستخدمين على هواتفهم الذكية، حيث بات معدل ما يقضيه المستخدم العادي حاليا على هواتفهم الذكية يصل إلى 4 ساعات و20 دقيقة، بعدما كان المعدل نصف هذا الرقم تقريبا خلال الربع الأول لعام 2020.
أسباب النوموفوبيا
لم يكتشف الخبراء بعد الأسباب الحقيقية وراء هذا الرهاب لكم من المرجح أنه جاء مع استخدام الأجهزة الجديدة والتعلق بها بشكل مفرط، لذا قد يلعب الخوف من العزلة دورًا في تطور الرهاب، إن عدم الرغبة في تجربة هذه الوحدة يمكن أن يجعل الشخص يرغب في إبقاء الهاتف قريب منه في جميع الأوقات.
ويمكن أن يؤدي التعايش مع القلق بشكل عام إلى زيادة خطر الإصابة بالنوموفوبيا، وخاصة إذا كان الشخص مصاباً باضطرابات نفسية، وللعامل الوراثي دوراً في ذلك، من الشخصيات التي تصاب بالرهاب هم المراهقين الذين يعانون فقدان الثقة بالنفس أو مصابين بالاكتئاب والقلق.
ما هي مخلفات هذا المرض على المجتمع؟
إن لم يتم معالجتها ومحاولة انتشال ضحايا هذه الأجهزة، إن المراقب عن كثب لحال أولادنا اليوم يستطيع أن يتنبأ المستقبل إذ أصبحت العلاقات والصداقات بخطر وها هي اليوم تلفظ أنفاسها الأخيرة بالنسبة للمصابين بالنوموفوبيا، والكارثة حين يتحول الشعور بالذات والإحساس بالطمأنينة مرتبط بذلك اللوح الإلكتروني ومتوقفاً عليه وغيرها من الأضرار الجسيمة من اهمال الواجبات الدراسية إذا كان طالباً أو ترك العمل والوصول إلى مرحلة البطالة كون الأشخاص المصابين بذلك الرهاب لا يعتمد عليهم بمرور الوقت، وشيء بعد شيء يخسر الإنسان كلّ ما يملك.
علاج النوموفوبيا
يبدأ العلاج بالرغبة من المصاب نفسه وإلا استحالت المحاولات بالتخلص من ذلك الرهاب
من الممكن أن تكون البداية بترك الهاتف المحمول عند الخروج من المنزل للتسوق مثلاً أو القيام بعمل ما، وبالامكان ترك الهاتف في مكان بعيد عن متناول يده أثناء العمل إذا كان موظفا.
وهناك علاج سلوكي معرفي بواسطة المختصين النفسيين، والذي يركز على المواقف التي من المحتمل أن تكون الباعث وراء هذا الخوف الشديد، فيحللها بهدوء ثم يقترح بعض الحلول الممكنة، والتي من أهمها عقد جلسات علاجية مع مريض النوموفوبيا، يتم خلالها تدريبه على أن يصبح أكثر استغناء عن هاتفه المحمول، فيُطلب من المريض مثلاً أن يتوقف عن النظر في هاتفه كل 5 دقائق، ليصبح كل 10دقائق، ثم 15 دقيقة، كخطوة أولى، وتزداد بعد ذلك هذه الفواصل الزمنية بالتدريج. وغالباً ما تتحسن حالة المريض بعد بضع جلسات فقط، كما يمكن الاستعانة مع هذا العلاج ببعض مضادات الاكتئاب الخفيفة، ومن الممكن العلاج بالتنويم المغناطيسي، الذي يمكنه أن يساعد على تخفيف الأعراض الفزيولوجية التي تصاحب الشعور بالقلق حين يكتشف الشخص أنه نسي هاتفه المحمول.
بداية أيّ مرض نفسي يكون الشخص هو السبب في الاصابة به ويغذيه إلى أن يتمكن منه ويصيره أسيرا لذلك المرض وبالخصوص هكذا نوع من الأمراض المستحدثة والتي تنمو في البيئة التي يعيشها أولادنا اليوم بيئة مليئة بالفراغ وأجهزتهم هي الأم والأب، نكاد نجزم أننا أمام كارثة مجتمعية إن لم يتم تداركها والعمل على احتواء أولادنا واعادتهم إلى جادة الصواب والبدء بالنفس أولاً للتخلص من أسر النوموفوبيا.
اضافةتعليق
التعليقات