يحل اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يُقام 10 أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، في ظرف استثنائي يشهد تفشي جائحة كورونا، ما فرض مزيدا من الضغوط على البشر وعمق من آلام مرضى الاضطرابات النفسية والاكتئاب وأضفى تحديات ومسؤوليات جديدة على العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وكان أول الاحتفالات في عام 1992 بناء على مبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية، وهي منظمة دولية للصحة النفسية مع أعضاء وشركاء في أكثر من 150 بلدا. في بعض البلدان مثل هذا اليوم هو جزء من عملية أكبر لأسبوع التوعية بمرض نفسي.
تعتبر الصحة النفسية من المجالات المهملة في المجتمع الشرقي رغم أهميتها القصوى في ظل معاناة نحو مليار شخص من الاضطرابات النفسية وانتحار شخص كل 40 ثانية. ووفاة 3 ملايين سنوياً نتيجة تعاطي الكحول.
وتتضاعف أهمية الاستثمار في هذا المجال مع تأثر المليارات بجائحة "كوفيد-19" واندلاع الحروب في بعض البلدان وانتشار الأحداث المأساوية الطارئة كالانفجارات المدوية والحرائق الضخمة.
أرقام صادمة:
ذكرت منظمة الصحة العالمية أن ما يقرب من مليار شخص يعانون من الاضطرابات النفسية مع توقعات بأن يتضاعف الرقم، خاصة أن أي شخص في أي مكان يمكن أن يقع فريسة لها أو يتضرر منها.
ووفقا لإحصاءاتها، يُعد الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسية للمرض النفسي والإعاقة بين المراهقين والبالغين، بينما يحصد الانتحار أرواح ما يقرب من 800000 شخص سنوياً، أي شخص واحد كل 40 ثانية، وهو السبب الرئيسي الثاني لوفاة الشباب بين 15-29 سنة.
وكشفت أن واحدا من كل 5 أطفال ومراهقين يعاني من أحد الاضطرابات النفسية، كما أن فقدان الإنتاجية الناجم عن الاكتئاب والقلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعا ويكلفا الإقتصاد العالمي تريليون دولار أمريكي سنوياً، مشيرة إلى أن المصابين باضطرابات نفسية حادة يتوفون قبل غيرهم بـ10 سنوات.
وحذرت المنظمة الدولية من الفجوة الواسعة بين الطلب والعرض المتعلقين بخدمات الصحة النفسية، وقالت إن عددا قليلا نسبيا من الناس في العالم يحصلون على هذه الخدمات نتيجة النقص المزمن على مدى عقود في استثمار وتعزيز الصحة النفسية والوقاية من أمراضها ورعاية المصابين بها.
ووفقا لآخر الإحصائيات، فإن أكثر من 75% من المصابين بأمراض نفسية، خاصة الناجمة عن تعاطي المخدرات، لا يتلقون أي علاج في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، مع الأخذ في الاعتبار انتشار الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق المصابين بالأمراض النفسية.
أيضا تنفق البلدان أقل من 2% في المتوسط من ميزانياتها الوطنية المخصّصة للصحة على الصحة النفسية، موضحة أن المساعدة الإنمائية الموجّهة إلى الصحة النفسية لم تتجاوز 1% حتى الآن.
جائحة كورونا:
لم يؤثر فيروس "كوفيد-19" على المرضى النفسيين الذين يعانون فقط بل امتد لجميع الفئات وأحدث انقلابا في حياة كثيرين، إذ جلب معه العديد من التحديات بالنسبة للعاملين في مجال الصحة الذين يقدمون الرعاية في ظروف صعبة، والطلاب الذين اضطروا إلى التكيّف مع الدراسة عن بعد والتواصل بقدر محدود مع المعلمين والأصدقاء.
أيضا أثرت الجائحة على حياة العمال الذين تتعرض سبل عيشهم للخطر، فضلا عن العدد الهائل من الأشخاص الذين وقعوا في براثن الفقر، لكن الضرر الأكبر للفيروس التاجي وقع على المصابين فعليا بمشاكل نفسية، إذ أصبحوا يعانون من العزلة الاجتماعية أكثر من ذي قبل.
وفي حين كانت خدمات الرعاية الجيدة في مجال الصحة النفسية حول العالم محدودةً قبل تفشي الجائحة، فإن فيروس كورونا فاقم الوضع نتيجة تعطيل الرعاية الصحية في شتى أنحاء العالم، خوفا من انتشار العدوى في مرافق إقامة المرضى الطويلة الأجل، مثل دور الرعاية ومؤسسات الطب النفسي.
أيضا من ضمن الأسباب تضاعف العقبات التي تحول دون ملاقاة الناس وجهاً لوجه، وإصابة موظفي الصحة النفسية بعدوى الفيروس، وإغلاق مرافق الصحة النفسية أو تحويلها إلى مرافق لرعاية المصابين بمرض كوفيد-19.
وتوقعت منظمة الصحة العالمية، استناداً إلى الخبرة المكتسبة من الطوارئ السابقة، أن تزداد الحاجة إلى الدعم في مجال الصحة النفسية خلال الأشهر والسنوات المقبلة، ما يتطلب الاستثمار على الصعيدين الوطني والدولي في برامج الصحة النفسية أكثر من أي وقت مضى.
وقال الدكتور تيدروس جيبريسوس، المدير العام للمنظمة: "بدأنا نشهد العواقب التي تخلفها جائحة (كوفيد-19) على الصحة النفسية، وهذه ليست سوى البداية. وإن لم نقطع فورا التزامات جدية بزيادة الاستثمار في مجال الصحة النفسية، فإن العواقب الصحية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على ذلك ستكون بعيدة المدى".
تستعد منظمة الصحة العالمية وكبار قادة العالم والخبراء النفسيون لإحياء اليوم العالمي للصحة النفسية، الذي يعد فرصة لإذكاء الوعي بقضايا الصحة النفسية وتعبئة الجهود من أجل دعمها، بفعالية عالمية عبر الإنترنت تقام لأول مرة تُسمى "التظاهرة الكبرى"، يحاول خلالها المشاهير إخبار العالم بما يمكنهم فعله لتحسين صحتهم النفسية.
"تحرَّك من أجل الصحة النفسية: فلنستثمر فيها" شعار التظاهرة العالمية التي يسعى خلالها قادة العالم والمختصون لتوضيح ضرورة أن تكون الصحة النفسية ضمن أولويات الجميع، مع تقديم نصائح لمن يعانون في حدث يتخلله بعض الوصلات الموسيقية الأكثر شعبية لمغنيين عالميين.
منظمة الصحة العالمية قالت إن الحدث يتيح "فرصة أمامنا لنفعل شيئاً يؤكد أهمية الحياة، وأن نتخذ كأفراد إجراءات ملموسة لدعم صحتنا النفسية وأصدقائنا وأفراد الأسرة الذين يواجهون صعوبات؛ وكأرباب عمل خطوات لوضع برامج لرعاية الصحة النفسية للموظفين؛ وكحكومات بإرساء خدمات الصحة النفسية أو توسيع نطاقها؛ وكصحفيين بتعريف العالم بما يمكن عمله لجعل الصحة النفسية حقيقة واقعة للجميع".
أيضا طمأنت الجميع بإمكانية علاج الاكتئاب والقلق، اللذين يُعدان من أكثر حالات الصحة النفسية شيوعاً، عن طريق العلاج بالتحدث والأدوية أو مزيج منهما، موضحة أن الفحوص المنتظمة للمصابين باضطرابات نفسية حادة تقيهم خطر الوفاة المبكرة.
وأشارت إلى أهمية الاستثمار في خدمات الصحة النفسية، موضحة أن كل دولار أمريكي يُستثمر في التوسّع في العلاج من الاكتئاب والقلق يحقق عائداً قدره 5 دولارات أمريكية.
بينما يحقق كل دولار أمريكي يُستثمر في العلاج المسنّد بالبيّنات من الاعتماد على الأدوية، عائداً يصل إلى 7 دولارات أمريكية من خفض تكاليف الجريمة والعدالة الجنائية.
لقد كان لجائحة كوفيد-19 أثر فادح على الصحة النفسية للناس. وقد تضررت بعض الفئات من ذلك بشكل خاص، بما يشمل العاملين في الرعاية الصحية وفي الخطوط الأمامية، والطلاب والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم وأولئك المصابين بحالات صحية نفسية أصلاً. وفي الوقت ذاته تعطلت بشدة خدمات الصحة النفسية والعصبية وخدمات اضطرابات تعاطي مواد الإدمان.
غير أن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل. فأثناء جمعية الصحة العالمية المعقودة في أيار/مايو 2021، أقرّت الحكومات من جميع أقطار العالم بالحاجة إلى الارتقاء بنوعية خدمات الصحة النفسية على جميع المستويات. وقد ابتكرت بعض البلدان بالفعل سبلاً جديدة لتقديم رعاية الصحة النفسية لسكانها.
شعار الحملة الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً!
اضافةتعليق
التعليقات