امتدّت ملحمة عاشوراء الخالدة لتصل إلى آماد بعيدة ربّما لا تبدو واضحة للعيان للوهلة الأولى، فكثيرًا ما يبرز البعد العاطفيّ لأنّه فرض جبروته على القضيّة لما فيه من حقائق ناصعة وجليّة للشرائح المختلفة من المجتمع لذا طغى هذا الانعكاس على باقي المضامين التي ربّما تحمل في طيّاتها شيئًا من التهميش، والتي تثير اهتمام فئة خاصّة من المجتمع.
من الصور المعكوسة في هذه القضيّة هي التصوّر بأنّ فنون الأدب والشعر والخطابة التي من أدواتها اللغة العربيّة (أداة الإعجاز الإلهيّ الخالد) هي من حفظت هذه القضيّة التاريخيّة الضخمة من الاندثار وحافظت على أسسها قويمة رصينة بينما العكس هو الصحيح!.
نحن نعيش في دوّامة صاخبة من التحوّلات التي لم تنأَ عنها فنون اللغة مثل المفردات الدخيلة وسطوة اللهجات وتراكم السهل البسيط أمام الصعب الذي يحتاج إلى إعمال الذهن والفهم بغية الإدراك ممّا أدّى إلى ضعف اللغة السليمة أدبيًّا ولغويًّا وبلاغيًّا فراحت تلفظ أنفاسها المتقطّعة، الأمر الذي يثير قلق فقهاء اللغة وأدبائها من اندثارها نهائيًّا بعد أن أعلنت اليونسكو توقّعاتها (بأن اللغة العربيّة ستكون من ضمن اللغات المرشّحة للانقراض خلال القرن الراهن) لأسباب عديدة منها:
١- الإهمال من قبل نفس المتكلّمين باللغة.
٢-هيمنة اللغات الأخرى.
٣-التكلّم باللهجة المحليّة.
٤-كثرة الحاجة للمفردات الحديثة، وأسباب أخرى كثيرة أيضًا من ضمنها:
(إن أمَّة إقرأ لا تَـقـرأ، فمعدّل ما يقرؤه الفرد سنويًّا في الغرب هو خمسة وثلاثون كتابًا، أمّا عند العرب، فهناك كتاب واحد مقروء لكلّ ثمانين فردًا)(١)
إنّ اندثار لغة ما معناه اندثار فكريّ وقوميّ وروحيّ وتضعضُعُ هويةٍ لدى الفرد والجماعة، لذا عندما سُئل الفيلسوف كونفوشيوس (551 – 479 ق. م.) ”نبيّ الصين“، عمّا سيقوم به بدايةً من إصلاحات عند تسلّمه الحكم، أجاب: أبدأ بإصلاح اللغة وبإعادة وصل اللفظ مع معناه.
في هذا الخضمّ المتلاطم من المخاوف تتبلور قضيّة عاشوراء لتمدّ هذا الرافد بضخّ متواصل وعفويّ وأنيق جدًّا من قبل جمهور الأدباء والرواديد والخطباء لتكون مادّة غنيّة بأبعادها المتلوّنة التي ترسم لوحة الإبداع الحسينيّ بكلّ ما أوتيت من قوّة في قدرة البيان الذي يمتدّ ليضخّ في شرايين اللغة نسغ البلاغة المعطاءة ويثير فيها التوهّج في زمن الشحوب فيُحدث انعكاسًا آخر مضمونه نحيا بالحسين(ع).
اضافةتعليق
التعليقات