إن توجهات الإمام زين العابدين (عليه السلام) الريادية يحمل في طياتها صورة صادقة لما يريده الإسلام من التكافل الاجتماعي والتضامن الأخلاقي، التكافل في القيم، والتضامن في التقاليد، يوحي للجماعة الإسلامية بأنهم كيان مستقل مترابط، وكل من الناس متماسك، تشدهم أواصر، وتجمعهم حلقات من نظام شامل، الحقوق بینهم متبادلة، والواجبات عليهم مشتركة، لا إثرة في الحقوق ولا تبعية في الواجبات، وإنما هو المعادل النوعي الذي يصهر الإنسانية في مناخ واحد يضم بعضه بعضا.
أنفاسه عطرة نضرة، تعم رحاب العالم الفسيح، فيخلق الشعب المختار حينا، وينجب القادة الأبرار حينا آخر، وهكذا تتداخل الدواعي وتتوحد الكلمات، وإذا بهذا الوليد الناشيء يعود عملاقا تشخص حوله ذلك الكيان الشامخ اليوم: الإسلام في عطائه وتطلعاته ومبادئه العليا، رضي قوم بهذا أم سخطوا، فالحقائق لا تغطيها سحب الأوهام، وهذا ما يطرحه الإمام زین العابدين في الحقوق الاجتماعية التي لو أخذت بعناية وإرادة وتدقيق لكانت منهج الحياة الأمثل ولكان المواطن عاش بسلمية وراحة وسهولة أكثر ودرأ عنه المشاكل التي يقبع بها بل يقبع ويغرق بها المجتمع كافة من جميع نواحيها ..
فمن الحقوق التي أكد عليها الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالته هو حق الجليس "منْ يجلس معك".
(وأما حق جليسك: فأن تلين له جانبك، وتنصفه في مجازاة اللفظ..). هذا الحق يصور البعد الاجتماعي في التقارب والتعامل، والأدب الشخصي في حسن التأني، ويبدأ بلين الجانب وتواضع النفس، ومن ثم الانصاف في ما يطرحه عليك من حديث، فتجيبه وفق حديثه دون تزيد أو تأويل متكلف، وإذا جلس إليك فلا تغادر مقامك إلا مستأذنا منه لأنه متفضل عليك بقصده إياك، ومتلطف بك فتلطف معه، أما إذا جلس إليك جليسك فله أن ينهي هذا التفضل بالقيام دون أذنك، فإذا ودعك وودعته، فكان المجلس لم يكن في نسيانك زلاته، بل عليك بتقصي وبره وفضله لتنشره بين الناس.
هذا وهو مفارق لك بمغادرته مجلسك، ولا مانع، بل هو من المأثور أن تتحاشی - وهو معك - كل زلة كانت له، وتؤكد على كل مكرمة صدرت منه، وتكون به رفيقة منك إلا الخير لك كان أم عليك، فإذا انتهى المجال وانصرف كل منكما، فعليك بحفظ أسراره، وطي خوافيه فالمجالس بالأمانة".
فلو تأملنا فيما يقصد به الإمام زين العابدين (عليه السلام) وكيف أنصف الجليس فقط هذا الكم من الإنصاف وأكد على التعامل بالأدب والأخلاق والاستئذان وغيرها من الأمور التفصيلة التي حقيقةً تستحق أن نقف عندها ونتسائل في ذواتنا هل يا ترى نحن نعمل بجزء ولو بسيط مما ذكره الإمام (عليه السلام)؟!
كما أن الصحبة تتطلب المجاملة الأدبية العالية؛ تتخللها مظاهر الحشمة والوقار، وتزينها نفحات الاحترام المتبادل، فلا يتكلّ المصاحب على ما بينه وبين صاحبه من المودة والاخلاص، فيتهاون في قدره، ويقلل من أهميته، بل عليه أن يعلي من شأنه، ويرتفع بمكانته إلى حيث التبجيل المتوازن، وبذلك يكون عليه متفضلاً خلقياً، ومنصفاً اجتماعياً، ولا مانع من أن يتفضل عليه براً وإحساناً، وعليه أن يشعره بالإكرام كما أكرمه، وبالرقة واللطف والرحمة، فلا يكون عليه عذابه، ويكون مصداقاً لقول الإمام علي (عليه السلام): (صديق الجاهل في تعب).
فإذا استقام هذا التوجيه الطريف عادت الصحبة عشرة حسنة كما يراد لها، وأصبح الصاحب في ظل وريف من الحب واللقاء البهيج .
اضافةتعليق
التعليقات