من وصايا أمير البلاغة لابنه الحسن عليهما السلام:
(يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك واعلمن الإعجاب وآفة الألباب).
فكما توزن بالميزان أشياء فيعرف تساويها وقيمها، كذلك يلزم على الإنسان أن يجعل ذاته كمحايد بين شخصين أحدهما نفسه، والآخر غيره فيعطي الاثنين بالتساوي (وأعلمن الإعجاب) أي استحسان الإنسان ما يصدر من نفسه (وآفة الألباب) أي مصيبة العقول أنها تُصاب بهذا المرض الوخيم.
كثير من الناس يطغى عليهم حب الذات والأنا فلا تكون أحكامهم وتعاملهم مع الناس إلّا بمقدار المصلحة الذاتية والمكاسب المصلحية ومن هنا ينبّه الإمام عليه السلام إلى الميزان الصحيح للتعامل مع الناس وهو أن يخرج الإنسان من أنانيته وحبه لنفسه فقط فيتعامل معهم بميزان المشاركة الإنسانية فيحبّ لغيره ما يحبه لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فهو كما يحب العدل والإنصاف عند تعامل الآخرين معه، وكما يكره الظلم والبخس لحقه كذلك ينبغي عليه أن يتعامل مع غيره بذات المعيار فإن ذلك مدعاة لصفاء النفس وإشاعة المحبة وحسن التعامل بين الناس، كما يشمل ذلك الحديث عن الآخرين ووصفهم فلا ينبغي القول فيهم ما لا يحب الإنسان أن يقال فيه.
كما أن من علامات العقل وحسن الإيمان أن يعرف الإنسان قدره، ويعرف أنه فوق كل ذي علم عليم، وأنه ما ناله من التوفيق في تحصيل ما يريد إنما كان ذلك بفضل الله وعونه وتيسيره، ولذا فإن اعجاب الإنسان بنفسه هو بداية للعلو والتكبر والبعد عن الله كما كان من فعل إبليس عندما أمره الله بالسجود لآدم فاستكبر ..
فسعي الانسان في الدنيا أو كدحه فيها مالم يكن للآخرة فإن سعيه في ضياع وخسران، فالمال الذي جمعه والثروة والُملك وكل ما ناله في الدنيا للدنيا سيتركه على تراب الدنيا ويذهب فقيراً إلى ربه ليس له شيء غير العمل الذي يجزى بموجبه في القيامة، فهو في حقيقة ما يتركه في الدنيا إنما هو خازن فيه للورثة، فإن كانوا من الأخيار واستعملوه في طاعة الله فثوابه لهم وأما إن كانوا من الفسقة واستعملوه في المعاصي فإثمه عليهم وتبعات المال الذي اكتسبه عليه.
يستوجب حسن الإرتياد للطريق في الدنيا وحسن انتخاب الزاد الذي يكون نافعاً في الآخرة، فلا ينبغي أن يحمل الإنسان فوق طاقته مما يحاسب عليه يوم القيامة، فإذا وُجد من يحمل له الزاد يوم القيامة فيأتيه به هناك في وقت الحاجة فينبغي أن يغتنم الفرصة ويحمله إياه والمراد به تقديم الصالحات لأهلها لتكون له زادا في الآخرة.
فمعنى الوصية هو النهي عن الاستغلال والطمع، والأمر بالتعاون والتعاضد على تحقيق العدالة الاجتماعيّة، وإنّ الله لا يأمر بالحبّ ولا ينهى عن البغض، وإنّما يأمر الإنسان أن يكون في عون أخيه الإنسان وبرّه ومناصرته التي تبعث على الحبّ، وينهى عن خذلانه واستعباده والاعتداء على حريّته التي توجب البغض.
اضافةتعليق
التعليقات