كانت الشمس على وشك الغروب، ولا شك أن الجميع يتفق بأن غروب يوم الجمعة مختلف عن باقي الأيام، إنه كئيب وحزين جدا، جلست في غرفتي أتأمل الشمس وهي تخفت شيئا فشيئا من زاوية السماء، حاولت أن أخفف من وقع الكآبة على قلبي فسحبت كتاب "سيكولوجية السعادة" من على الرف المزدحم بالكتب والدفاتر.
بدأت بالقراءة، كان الكتاب مثقلا بالعبارات التي تدعو إلى السعادة والرفاهية النفسية، وأكثر جملة وجدتها واقعية فعلا هي:
"تحقيق السعادة يأتي من شخصية المرء وليس بما يملكه. فالإنسان السعيد هو الذي ينظر لمختلف أمور الحياة بإيجابية، وعلى أنها في صالحه مهما كانت، إضافة إلى قدرته على إنشاء علاقات اجتماعية سليمة وقوية مع الآخرين.
ولكن ما استوقفني فعلا عندما "ذكر الكتاب أن أكثر الناس سعادة هم المتدينون. والسبب في ذلك هو ما يمنحه الدين من سلام داخلي وتفاؤل بالمستقبل.
كما عدّ الدين من أهم مصادر السعادة؛ لكونه يبين للإنسان الغاية من وجوده؛ ومن ثم ينقذه من الضلال والحيرة في رحلته بهذه الحياة."[1]
لم التفت سابقا إلى هذه النقطة وبحلقت بعيني البنيتين في تلك الجملة لدقائق من الزمن وتساءلت مع نفسي هل الدين فعلا يمنحنا السعادة؟،هل جميع المتدينون سعداء في حياتهم؟
"أضحت دراسة على مدى 10 سنوات على أكثر من 18 ألف عينة من الناس، أن المشاركة في الطقوس والأنشطة الدينية تقلل نسبة الموت 40%، ويعبرون عن حياتهم بأنها أكثر سعادة، مقارنة بمن لا ينتمي إلى دين..
وإن الناس الذين ينتمون فعليا إلى دين يعيشون بسعادة أكبر، ويكونون اجتماعيين وأصحاء أكثر، مقارنة بمن هم بلا دين..."[2]
إذن لماذا الكثير من الناس المتدينين حولي تعساء؟ هل المشكلة فيهم أم من الدين نفسه؟
ولأني أنتمي إلى الدين الإسلامي وأغلب الذين حولي مسلمون لهذا سأتحدث بوجه الخصوص عن هذه الفئة.
يعتبر الإسلام دينا متكاملا وهو الذي وضع للإنسان دستورا للحياة يستطيع من خلال الالتزام بالتعاليم الواردة فيه أن يضمن لنفسه حياة متكاملة ومستقرة.
وفي هذا الباب تناول المستشرق النمساوي (ليوبلد فايس) الذى اعتنق الإسلام وعرف باسم (محمد أسد)، في كتابه (الإسلام في مفترق الطرق) طبيعة الإسلام وكيف استطاع أن يلامس جميع قضايا الانسان المادية والمعنوية إذ يقول محمد أسد: "نحن نعد الإسلام أسمى من سائر النظم المدنية، لأنه يشمل الحياة بأسرها؛ إنه يهتم اهتمامًا واحدًا بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، إنه لا يهتم فقط لما في الطبيعة الإنسانية من وجود الإمكان إلى السمو، بل يهتم أيضًا لما فيها من قيود طبيعية... إنه لا يحملنا على طلب المحال، ولكنه يهدينا إلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة حيث لا شقاق ولا عداء بين الرأي وبين العمل، إنه ليس سبيلًا بين السبل، ولكنه السبيل، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديًا من الهداة، ولكنه الهادي الكامل، فاتِّباعه في كل ما فعل وما أمر اتِّباع للإسلام عينه، وأما اطّراح سنته فهو اطّراح لحقيقة الإسلام"[3].
والله تعالى يؤكد في كتابه الكريم بأن الدين الإسلامي هو الدين الذي فطر الانسان عليه، وهو الطريق المستقيم الذي يهدي الانسان إلى الخير والصلاح في الدنيا والآخرة بقوله تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"[4].
إذن نستنج بأن الدين هو الذي يخلق الحياة الآمنة للإنسان ويهيئ له كل المقومات التي تساعده للوصول إلى الاستقرار والسعادة، إذن لماذا الانسان المسلم لا يزال يعيش في غار التعاسة؟
المثلث اللامتناهي: الدين/ السعادة/ الرضا
بلا شك الطريق إلى الله نهايته السعادة، وعدم وصول الانسان إلى السعادة يكمن في عدم التزامه بالخطة التي وضعها الله تعالى له، فتخبط قليلا في طرقات الحياة وسلك طريقا يؤجل وصوله إلى السعادة الإلهية.
ولعل من أهم العوامل التي تطول الطريق وتمنع صاحبها من الوصول إلى السعادة بشكل أسرع هو عدم الشعور بالرضا.
لأن "الرضا عن الحياة يعد الدافع الخفي الذي يحرك الإنسان ويقوده للحياة، وهو حالة شعور داخلي بالقناعة عن النفس والحياة بصفة عامة، ومن ثم يختلف هذا الشعور باختلاف سمات وخصائص الشخصية والقيم والأفكار والمبادئ التي يتصف بها الفرد، فتظهر حالة الرضا عن الحياة في سلوكيات الفرد التي تعبر عن تقبله لذاته ورضاه عن حياته الشخصية وأسلوب حياته، ومدى توافقه وتفاعله مع أسرته وأصدقائه والمحيطين به في عمله، وكذلك مدى إنجازه في العمل."[5]
ويبقى المنبع الأساسي للسعادة هو الرضا، فالإنسان الذي يشعر بالامتنان لأقل الأشياء التي في حياته وأصغرها ويرضى بعطاء الله بلا شك سيشعر بالسعادة.
لأن الشعور بالرضا هو الذي يمنح السعادة للإنسان.
ولكن أغلب الناس لا يشعرون بالرضا ودائما تراهم ينتقدون ظروفهم ويسبون القدر ويضجرون من حياتهم ويلقبونها بالبائسة على الرغم من أن الله تعالى وهبهم حياة كريمة فلم يباتوا يوما بلا عشاء، ولم ينفقوا أموالهم على أمراض مزمنة.
ولكنهم يقارنون حياتهم بحياة الأثرياء وحياة المشاهير من خلف الشاشة ولا يشعرون بالرضا عن حياتهم.
فقد بات قضاء العطلة الصيفية في المدينة الفلانية غير مرضية وحتى يصلوا إلى السعادة يجب أن يقضوا العطلة في جزر المالديف كما فعل المشهور الفلاني مع عائلته.
وباتت الساعة الاعتيادية لا تفي بالغرض مقارنة بالساعات المرصعة بالألماس والذهب الخالص.
وغيرها الكثير من المقارنات التي خلقت حاجزا كبيرا من عدم الرضا والضجر الدائم تجاه النعم التي أنعمها الله تعالى للإنسان، وبلا شك عدم الرضا يؤدي إلى عدم الشكر، وعدم الشكر يؤدي إلى الفقر وسوء العاقبة، والوعد الإلهي بالزيادة والوفرة خاص بالأشخاص الذين يشكرون الله تعالى على عطاياه ومننه، فكما يقول عز وجل: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"[6].
فمع الشكر تدوم النعم وتزيد، ومع التذمر والمقارنة وعدم الرضا تقل النعم تدريجيا وتفنى.
إذن الدين هو بمثابة الطريق المعبّد الذي يقود الإنسان إلى السعادة، ولكن السبب الأساسي الذي لا يجعل الانسان يصل إلى السعادة في حياته هو تركيزه على توافه الأمور وتفاصيل الدنيا الزائلة.
وهنالك أبواب كثيرة تؤدي إلى السعادة من التزم بها عاش سعادة الدنيا والآخرة/ وسنذكر لكم عشر نقاط من موجبات السعادة التي أكد عليها أمير المؤمنين (عليه السلام):
١-في لزوم الحق تكون السعادة[7]
٢-جالس العلماء تسعد[8]
٣-اعملوا بالعلم تسعدوا[9]
٤-السعيد من استهان بالمفقود[10]
٥-السعيد من أخلص الطاعة[11]
٦-من حاسب نفسه سعد[12]
٧- من أجهد نفسه في إصلاحها سعد، من أهمل نفسه في لذاتها شقي وبعد.[13]
٨- هيهات من نيل السعادة السكون إلى الهوينا والبطالة.[14]
٩- الإيمان يرتقي إلى ذروة السعادة ونهاية الحبور[15]
١٠-ثلاث من حافظ عليها سعد: إذا ظهرت عليك نعمة فاحمد الله، وإذا أبطأ عنك الرزق فاستغفر الله، وإذا أصابتك شدة فأكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.[16]
اضافةتعليق
التعليقات