من يريد تجديد الحياة لابد وأن يلاقي في كل خطوة مشكلات..، فاللازم عليه: التصميم والعزم، وأن يستمرىء ما يلاقيه، وأن يصبر حتى تحل المشكلة، وأن يدفعها بالتي هي أحسن، وأن يتحلى بالحلم.. والفرق بين الصبر والحلم – فيما إذا قوبلا – أنّ الأول شخصي والثاني ما يلاقيه من الجهال ونحوهم، وإن كان الأول يطلق على الثاني إذا لم يقابل به.
وذلك لأن معنى التجديد: (الخروج عن المألوف إلى ما ليس بمألوف)، والطبع غير راغب في ذلك في الأمور الفردية والاجتماعية.
مثلاً: من يعتاد شرب الدخان، أو النوم إلى طلوع الشمس، أو أكل شيء خاص، إذا أراد الانقلاع عن تلك التي اعتاد عليها، أباه طبعه وكان صعباً عليه، وفي الرواية: "إنه كالمعجز"، لكن التصميم يخفف عن ذلك حتى ينقلع.
وقد اشتكى أحد الأمراء إلى أحد الأئمة عليهم السلام أنه يعتاد أكل الطين ولم ينفع كلما عالج، فماذا يعمل حتى ينقلع؟ فقال له الإمام عليه السلام: صمم على الترك، ففعل ما ذكر عليه السلام له، وحصل الانقلاع.
وكما أن الطبائع في الأمور الشخصية، كذلك في المسائل الاجتماعية، فمثلاً: النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يريد أن يقلع الناس عن الخمر والزنا والغناء والربا لابد وأن يلاقي صعوبة في تطبيق ذلك ممن اعتادوا كل ذلك، ولذا كان بعضهم يأبى الإسلام ويحتج بأنه لا يقدر أن يترك الخمر والزنا.
وليس التصميم وحده هنا مفيداً، بل يلزم (سلوك السبل الكفيلة بالنجاح)، مثلاً: يلزم المنع عن صنع الخمر في المصانع، وتهيئة وسيلة تبديل عمل المعمل إلى عمل آخر مربح، والتسويق الجيد لذلك الإنتاج الجديد. ومثل تحصيل الزوج للمرأة الفاجرة.. وإلى ما يشبه ذلك من وجوه الحلال في حل كل مشكلة فردية أو اجتماعية.
وربما احتاج الأمر إلى التدرج بالتقليل من الكم أو الكيف، سواء أمكن الإقلاع إلى الأخير أو بقي بعضه، فإن التقليل مطلوب أيضاً، ولذا قالوا: (الضرورات تقدَّر بقدرها).
فمن يتمكن من ترك التدخين أو التقليل كمّاً إلى النصف أو الربع أو ما أشبه فعل، وكذلك إذا تمكن من تقليل الكيف مثل: أن يكون التبغ بارداً لا حاراً – على اصطلاحهم – فإنه أقل ضرراً والحار أكثر خطراً.
وفي المشاكل الاجتماعية كذلك: من يتمكن من جعل العدو صديقاً فعل، ومن لا يتمكن لكنه يمكنه من تقليل العداوة جعله فرصة لتقليل المشكلة وهكذا..
وتجديد الحياة بذلك من أهم الضرورات، وقد قال علي عليه السلام: "دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة، لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها". نهج البلاغة.
وقال عليه السلام في كلمة أخرى: "الدنيا تغر وتضر وتمر".
فالمشاكل دائماً ترتطم بالإنسان من كل جانب، وغالباً ما يرتطم الإنسان فيها إذا لم يراع الدقة الأكيدة في التخلص أو التقليل منها، وذلك يحتاج إلى المراقبة الدائمة واليقظة الكافية والاستعانة بالله فإنه نعم المولى ونعم النصير.
وإلا فالمشاكل تتقوى وتتراكم حتى تكون سيلاً يجرف بالإنسان وبذلك سقطت الدولة الإسلامية، وانغرق المسلمون في بحر من المآسي والفتن التي لا سابقة للمسلمين بها حتى في عصر المغول الذين زحفوا من الشرق، والصليبيين الذين زحفوا من الغرب..
اضافةتعليق
التعليقات