بخطواتٍ ثابتةٍ ترافِقُها أذيالُ عبائتها تسيرُ نحوَ القصرِ القديم الذي خُصِّصَ لمهرجانِ الفنون، وقفتْ تتأملُ بالبابِ الخارجي للقصر تسمعُ صوتَ حكاياتٍ قديمةٍ أصحابُها قُدّمُوا قربانا للزمن، دخلتْ من ذلك الطوقِ الحجري، تفوحُ منه رائحةَ الأصالةِ، لتستقبٌلها باحةً كبيرةً محاطة بمجموعةٍ مِن الأعمدةِ، ترتبطُ فيما بينِها بستارٍ من الطينِ المنقوش، المرسوم على شكلِ أقواسٍ متدليةٍ للأسفل، اعتلتْ ثغرَها ابتسامةٌ عندما التفتتْ للممرِ الأيمن والذي يحتوي على مجموعةٍ من الصور، وأصحابُها يحومون حولها، حتى لا تشعرَ بغربةِ النظرات، تخطو بحرصٍ، تتأملُ باللوحات، تبحثُ عن تلك اللوحة التي تبهرها حدَّ العمق، حتى أغوتْ قلبَها بالتوقف امرأة عجوز تطحن بالرحى يحيطها الظلام، والضوء منها وعليها، ينهمرُ من جوانبَ الرحى دقيقٌ ناعم، خلفها باب خشبي قديم لا يظهرُ منه سوى جزءٌ صغيرٌ، عرجتْ بتفاصيل الصورة لها، حيث خطاب الصمت المهيمن.
_ أيُّ قدرٍ تديره رحاكِ؟
رفعتْ العجوز رأسَها إليها لتجيبها:
_ما دامتْ يدي ممسكةً بالخشبة فهو لي.
ابتسمتْ الفتاة لها بإعجابِ ثم شردتْ سائلة:
_ وهل نبقى نديره؟
_ إلى الرمقِ الأخير.
صمتٌ حالك حلَّ بينهما لتنطق هي
_ متى جمعتِ الحبوب؟
_ بعد عمرٍ مسلوب.. من الآن جدي حبوبكِ، وباشري بالطحن، لتحصلي على قدرٍ ناعم.
_هل تنقلب الأدوار؟
_ما قصدك؟
نظرتْ الفتاة نحو الباب المغلقة قائلة:
_أن أُطحَنُ بتلك الرحى على يد القدر.
رفعتْ العجوز يدها الممتلئة بالشقوق ثم تنهدتْ قائلة:
_ الأدوارُ ثابتة والطحنُ متبادلٌ لا تنخدعي بما تسمعين.
أعادتْ الفتاة النظر إلى الباب قائلة:
_ ألم تكن تدير رحى الكون بثلاث كلماتٍ، لماذا عصرتها يد باب.
_ أنتِ تقولين تدير رحى الكون، طحنُها ملكوتيا، هناك تلملم دقيقها!
_ وما حبوبها؟
_ نحن، نحن حبوبها تُجرد منا قشورنا، لتلتقطنا دقيقا ناعما حينئذ.
صوت همس من خلفها: هل أعجبتكِ اللوحة؟
فزعتْ لتستدير هامسة: كانت تحدثني!
ثم خرج صوتها معتدلا: جميلة جدا.. ثم نظرت أسفل اللوحة 1430هـ ، هل هو تاريخ اللوحة؟
_ لا، إنه تاريخ الباب!
اضافةتعليق
التعليقات