كنت جالسة كعادتي أقرأ بأحد الكتب ومن ثم حملت هاتفي لأرى الرسالة التي وصلت لي عبر الواتساب، كانت رسالة تهنئة بعيد الأضحى، استغربت من الرسالة وتساءلت متى عيد الأضحى، أظن أن التهنئة مبكرة جدا وكانت الرسالة من إحدى الصديقات المقربات أجبتها باستهزاء ألا تظنين بأن الوقت مبكر لهذه الرسالة؟ أجابتني صديقتي على العكس اليوم هو يوم عرفات وغداً أول أيام عيد الأضحى المبارك!.
تفاجئت، ماذا تقولين، أسرعت على التلفاز لأقلب القنوات التي في كل عيد أضحى تنقل مناسك الحج كاملة ومباشرة.. فكم كنت أشعر بطمأنينة وراحة عندما كنت أتفرج عليهم وهم يطوفون كاسراب الحمام حول الكعبة ويلبون لبيك اللهم لبيك أن الحمد والشكر لك لا إله إلا أنت لبيك.
إن مشاهدة الحجاج عبر التلفاز من ضمن الطقوس المهمة خلال عيد الأضحى وبالذات يوم عرفة وليلة العيد، لأن هذا المنظر يعيشنا أجواء مناسك الحج، عندما تتفرج على ضيوف الله وهم يأدون التلبية بكل ايمان وحب وفرحة وبهجة مرسومة على وجوههم تعيش معهم فرحتهم وابتهاجهم في أجواء ايمانية روحانية وتسمع أصوات ضجيجهم ومناجاتهم، يتمنى كل مسلم ومسلمة أن يكونوا في هذا المكان المعظم والمشهد المشرف.
عندما كنت أتفرج عبر شاشة التلفاز على الحجاج تأخذني دموعي إلى حيث ذلك المكان المقدس وكلي شوق لزيارته والطواف في حضرته وارتدي هذه الملابس البيضاء الجميلة وأكون ضمن حجيج بيت الله الحرام.
أخذت أقلب محطات التلفزيون بحثا عن هذا المنظر الجميل المرسوم في مخيلتي بدون جدوى، غاب هذا المنظر عن القنوات التلفزيونية هذا العام، فالمحطات جميعها مشغولة بجائحة كورونا وما فعل هذا الفيروس بالعالم وكيف قلب موازين الأمور في الكرة الأرضية والبحث عن اللقاح والعلاج لهذا الوباء ونسبة الاصابات في كل بلد وموضوع تأجيل الانتخابات الامريكية بسبب هذه الجائحة، والمظاهرات العراقية وو... كدت أن أكذب صديقتي وأقول أنها أخطأت في التأريخ فالمفروض أن تكون القنوات مثل هذا اليوم مهتمة بنقل وقائع الحجاج وهذا الحدث السنوي يشغل القنوات العربية أكثر من أي شئ آخر، بالتأكيد صديقتي مخطئة.
وها أنا أجد إحدى القنوات تنقل وقائع الحج، يبدو أن ذلك الفايروس أصبح الحدث الأهم من أي حدث آخر، لكن عندما وجدت تلك المحطة التلفزيونية صعقت ماهذا أين الحجاج، أين ذهبوا لماذا لا يوجد ضجيج أين مناجاتهم أين مناسك الحج؟ اقتربت من الشاشة وكانت صورة تثير مشاعر كل مسلم، صورة لم أتوقع في مثل هذا اليوم يكون بيت الحرام بهذه الصورة التي تفطر القلب.
بيت الله حزين في عيده يبكي حجاجه، أين ذهبوا، لم يكن سوى عشرة آلاف حاج متناثرين بصورة ثابتة بينهم مسافات مدروسة يأدون مناسك الحج وأرواحهم مجروحة والحزن واضح في خطواتهم، يرتدون الكمامات ويعقمون أيديهم ولا يقترب أحدهم من الآخر، لبيك قلوبنا مكسورة لبيك جروحنا مفتوحة لبيك دموعنا موجوعة لبيك اجبر خواطرنا..
جلست أتأمل هذه الصورة وأبكي ليس شوقا كما في كل مرة لا بل حزنا وعتبا وتأملا أن ينزاح هذا الوباء بأقرب وقت.
إن مايميز عيد الأضحى المبارك عن باقي الأعياد هو حجاجه ومراسيم الحج الجميلة. ولكن هذا العام قلبت موازين العيد رأسا على عقب فكيف سنرسم ملامح العيد بدون حجاجه وبدون ضجيج الحجاج، جلست أتأمل هذه الصورة الحزينة ولا أعلم كم مر من الوقت، استعدت قوتي وأفقت من صدمتي وقمت من مقعدي وأخذت هاتفي لأعايد أهلي وأقاربي فتذكرت أن قبل أسبوع تقريبا والدتي أبلغتني أن العائلة لن تجتمع في هذا العيد بسبب هذا الفايروس حفاظا على صحة وسلامة الجميع وتنفيذا لتعليمات خلية الأزمة.
بدأت أتصل بأقاربي كانت الأحزان تملأ قلوبهم والخوف من هذا الوباء اللعين وحتى إن أغلبهم مثلي لم يلحظ أنها ليلة العيد، فعندما أتمنى لهم الصعود على جبل عرفات يكون الجواب إن خرجنا سالمين من هذا المرض، كانت أصواتهم محزونة وقلوبهم مفجوعة، خاصة أن هذا أول عيد لم نجتمع فيه، وهكذا أتممت ليلة العيد كأي ليلة عادية غارقة بفوضى مشاعر غير عادية.
إن أهم مايميز صباح كل عيد هو صلاة العيد، فكيف سيعلن العيد موعد حضوره إن لم تقم صلاته، فعيد الأضحى هو العيد الثاني لهذا العام بعد عيد الفطر لم تقام صلاته وكان صباح العيد خالياً من الصلاة ومن فرحة العيد ومن أصوات الأطفال ومن ضحكات الأقارب والأصدقاء.
عادة عندما أستيقظ في صباح العيد أسمع صوتا في الخارج، صوت أطفال وحركة تختلف عن باقي الأيام تنذر عن وجود العيد، اليوم كان الهدوء يعم كل شيء، البيت هادئ، الشارع هادئ حتى التلفزيون هادئ، أردت أن انتفض على هذا الهدوء هممت للخروج ولكن إلى أين الذهاب فالكل يخاف زيارة بعضهم والشوارع فارغة والأسواق مغلقة، إلى أين الذهاب وإلى أين أتوجه؟؟ حتى جارتنا عندما سلمت عليها خفنا من بعض ولم نتصافح.
رجعت إلى بيتي ووضعت سجادتي وأخذت بالبكاء والتضرع إلى الله، ماهذا الوباء الذي غيّر مراسيم الحياة جميعها غير معتقداتنا، فإن مايميز الاسلام التحية والسلام بين المسلمين الآن وبسبب هذه الجائحة غاب السلام ومعه المصافحة، إن كنت تحب أخيك المسلم لا تصافحه ولاتسلم عليه، وإن كنت مسلم غيور اترك صلاة الجماعة وفعلا هي قد ألغيت منذ شهور وأجواء العيد اطفئت والزيارات بين الأهل في الأعياد محيت، ماذا يريد منا هذا الفايروس إنه غير كل مراسيم حياتنا القديمة التي كنا نتذمر منها والآن نحن نشتاقها.
إلهي إن كان هذا عقابك لنا لمعرفة خطايانا فاغفر لنا، وإن كان هذا الوباء تأديبا لنا لتغيير مجرى حياتنا فنحن نطلب العفو منك، إلهي خلصنا من هذا الوباء بأقرب وقت واحمنا منه إنك على كل شيء قدير.
اضافةتعليق
التعليقات