المثابر المعطاء هو من لا تقيده الظروف المحيطة كما لا علاقة له بماهية المنجز الذي يقدمه ونوعه وحجمه، فكل ما يهمه انجاز العمل الذي يحبه ويفجر بداخله الفرح والراحة النفسية.
وخير مثال الحائكات العراقيات، الطاردات الكسل بعملهن الدؤوب رغم الحياة الصعبة التي يعشنها، وسلبيات الحجر الصحي الدافع للتعاسة والملل، فقد منحن أيامهن لمسات مبهجة، بسعيهن بلوغ النجاح والحصول على أرباح مضاعفة لا خسارة فيها تضمن لهن عيش انساني بسيط، دفعهن شغف العمل والقناعة بتذوق الفرح بعد اكمال العمل.
ولنا مع الحائكات السومريات حوارات مشذرة بالاحترام والتقدير، عرفنا من خلالها العراقيل التي واجهنها والمشاكل التي تجرعنها بقوة التحدي في الاستمرار بالعمل والعوائد المربحة لمعنوياتهن.
تصف لنا الشابة الكربلائية "هدى الخفاجي" معاناتها مع ابنها المصاب بمرض وراثي وعدم قدرة زوجها الذي يعمل مصوراً على تحمل تكاليف العلاج، وتضيف هدى: كان المردود المادي لا يكفي لسد معيشتنا، فقررت أن أعمل في مهنة تتناسب مع وضعي الذي يفرض علي البقاء في المنزل للاعتناء بإبني للمساعدة ولو بجزء بسيط من تكاليف علاجه، وبالصدفة قرأت تعليقات في منشور عن الحياكة وبعد البحث في الانترنت أعجبتني الفكرة، وانضممت لكروبات نسوية كانت لها الفضل في تعليمي وكيفية تسويق منتجاتي.
أما أم قمر التي ثقلت أيامها بالحزن والكآبة بعد وفاة زوجها وجدت في الحياكة متنفسا ينسيها القليل من ألم الفراق، وتقول: لقد نصحتني أمي بتعلم الحياكة وكانت هي من الحائكات الماهرات ولكن لكبر عمرها تركت الحياكة، واستعنت كذلك لتعلم بعض النقشات من الانترنت، وشعرت أن الكروشيه ساعدني كثيرا للتغلب على حزني.
وصفاء الشمري من كركوك يتيمه الأم والأب، روت لنا معاناتها لعدم قبول أخوتها ممارسة مهنة الحياكة، وتقول صفاء: خالتي الوحيدة من بين أهلي ساندتني وشجعتني وكانت تشتري لي الخيوط، وبعد انجاز الطلبيات ارجع لها ثمن الخيوط.
ومثال آخر للمثابرة والصبر، أم حسين من واسط ، وتقول: زوجي استشهد بالحشد الشعبي وأهل زوجي لم يعطوني شيئا من حقوقه، ولم يتبق لي غير الراتب وهو أيضا يأخذه أبي بحجة أنه يصرف على أولادي الثلاثة، ولكن لم أستسلم لهذا الظلم، بنيت مشتملا متكونا من غرفة ومطبخ وأنشأت قناة على اليوتيوب أعطي بها دروس لتعليم "الكروشيه"، الحياكة وهو مردود قليل لكني فخورة بعملي.
أم شهد من واسط مطلقة ولديها بنتين صغيرتين، تقول: زوجي تبرأ من بناتي وسكنت في بيت إيجار والنفقة التي كان يدفعها طليقي لا تكفي سوى لدفع الايجار أما النقود التي أحصل عليها من الحياكة فهي لاحتياجات المنزل، وأنوي في المستقبل أن أعلم بناتي فهي مهنة تناسب التحفظ الاجتماعي الذي نعيش معه.
وقصة أم علي من النجف لا تختلف كثيرا عن الأخريات، فتقول: أنا وأولادي وزوجي نعيش مع أهل زوجي بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي اجبرتنا على أن نسكن معهم، فقررت العمل لكي أساعد زوجي في شراء قطعة أرض ونبنيها لنحض بحياة مستقلة ، وأنا أعمل بدون علم أهل زوجي لأنهم لا يقبلون بهذا العمل بحجة أنه لا يناسب مركزهم الاجتماعي، واضطر أن أسهر الليل حتى أحيك كي لا يراني أحد منهم، ورغم التعب إلا إني أشعر بسعادة وفي حال اكمال طلبية لزبونة تأتي والدتي وتأخذها سرا وترسلها للزبونة.
زينب نعمة/ شابة كربلائية تقول: لم أستطع أن أوفق بين عملي وطفلي الصغير وواجهت مشاكل كثيرة مع زوجي وأهل زوجي فقررت ترك وظيفتي، فأحسست بعد هذا القرار بالضياع، وتأنيب كل من حولي لتركي وظيفتي، ولكن اشتغالي "بالكروشيه" أخذ كل وقت فراغي الذي كنت أعاني منه كما عاد علي بمردود مالي جيد.
مهما كان المحيط في ضد يبقى السعي والاستمرار سلاح النجاح الذي يتسلح به حامله، ومهما عظمت المشكلة بالإمكان ايجاد الحل وإن كان بسيطا مثل مهنة الحياكة، إلا إنها أسهمت بخلق بدائل عن حقوق أُخذت عنوة وبقوة ظالمة، وتعد الحياكة من الأنشطة اليدوية المؤثرة بشكل ايجابي، فقد ظهرت دراسة أجراها اختصاصي العلاج الطبيعي البريطاني بتسان كوركهيل في العام 2013 أن للحياكة قدرة على ضخ بعض السعادة في حياتنا. ومن بين 3545 شخصاً شاركوا بالدراسة، شعر 81% منهم بسعادة أكبر. وأشاروا إلى أن هذا العمل هو مصدر للاسترخاء، الإبداع وتخفيف التوتر.
اضافةتعليق
التعليقات