هل فكرت يوما بإهدار وقتك بشيء لايستحق القراءة فقط لتغيير روتين الأشياء المهمة لديك كأن تترك مثلا موعدك المهم مع آخر ألبوم الأغاني الذي نزل أو أن تتنازل عن فكرة رؤيتك للفلم الجديد أو على سبيل المثال أن تبتعد لمدة عشرين دقيقة عن لعبتك المفضلة لإهدار بعض من وقتك بقراءة شيء غير مهم مثل كتاب لعلم النفس أو رواية اجتماعية أو مغامرة علمية أو ليكن بما أنك اطلعت على مقدمة المقال، لتكمل هذه الحروف الهزيلة التي تبحث عن قارئ يريد اضاعة بعض من وقته المهم.
هل يتبادر إلى أذهاننا يوما لما الأطفال في بادئ الأمر لا تخشى شيئا مطلقا فتراهم يتلهفون للاقتراب من النار والزجاج وكل ماهو يثير انتباههم مهما كان خطرا وبعد أن نطلق عليهم نصائحنا ونبين لهم بطريقة أو بأخرى مخاطر الاقتراب من هذه الأشياء يبدأ سلوكهم يختلف تدريجيا من الاقتراب إلى الاحتراس من الخطر لكن هنا قد رسم في أذهانهم شيء واحد هو الخوف من الشيء، فيرسخ في ذاكرتهم أول كف صفعوا به بعد أن ارتكبوا خطأ وأول عقاب أقيم عليهم بعد سلوك معاكس وكل شيء فرض عليهم دون أن يعوا حقيقة هذا الأمر، كان علينا فقط أن نعي أن الأشياء البسيطة الصغيرة جدا هي سبب التغيير مع تراكم الوقت.
انطلقت الكرة ونظرة سارة من خلال النافذة إلى حركات الأرجل المتراكمة والأتربة التي أصبحت تغطي الساحة وصراخ الأطفال كان حلمها الكبير هو خروجها من المنزل بسن العاشرة واللعب مع الأولاد ثم تراكم الحلم ليصبح بعد ذلك هو الخروج فقط لأي مكان وفي وقت متاح لايعترضه كلمة أنت فتاة، فطال الصراع إلى أن تقبلت سارة بعدها حقيقة أنها فتاة لايمكنها الخروج من المنزل في أي وقت تشاء ثم تراكمت تساؤلاتها إلى أن امتد إلى أشياء بسيطة قيدت فيها فقط لمجرد كونها فتاة وعبر الوقت أصبحت نسخة من كل المحيطات بها.
دوما كانت تتساءل لماذا إن كنا قد خلقنا أحرارا نقيد هكذا وماكان يزيدها حزنا أن المنع دوما والرفض كان يأتي من قبل جنسها ذاته، كبرنا جميعا على معتقدات شبه بالية ومقيدة تتيح للصبي شتى الرغبات وتنكمش عند الفتاة مختلف المتطلبات مهما كانت صغيرة.
الأساس في كل ذلك يعود لأشياء بسيطة لاتعدو كونها تعني لنا إرث عائلي أو إرث جينات عبر الأجيال، كلمات تطلق منذ صغرها يغذى بها الطفل ذكراً وانثى ونتخذها كحقن سامة حتى ينمو الصغير بعقل مشوه، والفتاة تكمن حقنها على مادة توقف سريان الأفكار في عقلها وتبدأ دورة اللقاح هذه منذ أول فكرة يطرحها الطفل وندرك بعدها أنه أصبح يعي ماحوله.
تكون الجرعة الأولى عبارة عن كلمات مخففة أولها (عيب) وآخرها أنها (فتاة)، بينما الفتاة تأخذ الجرعة المعاكسة التي تبدأ (اياك) وتنتهي (إنه ذكر)، فتنمو خلايا العقل ليصبح كل شيء متاح له ومعفى ولايعيبه شيء وتنمو خلاياها مبنية على تربية جيل مهيء لذات الحقنة التي تقدمها الفتاة فهي مهمتها، كذلك هي مجمل الأشياء في الحياة نقدمها بالطريقة الخاطئة ونأمل أن تعود إلينا بطريقة نتوقعها لنتعلم منذ صغرنا على العقاب لكننا قط لم يقدم إلينا أشياء كمكافئة أو جلسة تصحيح فهم وأنا بنظري الخاص وفكري المحدود الذي لايتعدى حدود عقلي أرى أن الأغلبية بحاجة الى جلسة اعادة تأهيل وأجهزة لسحب السم المتراكم جراء حقن بنيت على خوف..
خوف من الخطأ، من السلوك الشاذ والفشل الذريع الذي لو لم يتم ذكره لما وجد أساسا، كما تقول هنوف الجاسر في احدى كتبها: (نحن نعاني من عقدة خوف: خوف من الفرح، خوف من الحب، خوف من الشفافية، خوف من البساطة، خوف من العين، خوف من رأي الناس، خوف من كل شيء إلا الله)، الملخص هو إلا الله نحن نهاب كل شيء خلافه وذلك لأننا وبكل تأكيد نعلم مدى رحمته لذلك نخشى كل شيء خلافه.
كانت إحدى الحقن تحتوي على المحتوى الآتي: (إذا لم تسر مستقيما أنت في جهنم) متناسين أن الانسان بطبعه يحب المخالفة إن كانت تهديد موعود ونسوا أن يذكرونا أن السير المستقيم فيه نعيم لكنهم اختاروا طريق الخوف ظنا منهم أنه الأصح، نحن بحاجة إلى اعادة فكر جديد وتغيير محتوى كل الحقن فنحن بالنهاية خلقنا من ذات الطين ومتساوون في كل شيء إلا التقوى.
يمكنكم الآن أن تعودوا إلى أشيائكم المهمة فقد انتهت كلماتي التي لاتحتوي على شيء ذات أهمية كبيرة لكم، حينما يكون الأمل أفضل مانعرفه يكون التخلي عنه محنة وأنا أملك أملا أن في الغد شيء سيتغير مهما كان الغد بعيدا، فكل يوم هو غدا إلى أن أرى الناس بياضا يسير على الأرض وإن كان حلما أو انني مغادرة قبله، سيبقى الأمل أفضل الأشياء التي تقوم بقلب الوقائع لتقدم الأمور لصالحنا فهناك ايمان يكمن بداخلي أن الكون يرضخ للأفكار الثابتة.
اضافةتعليق
التعليقات