تعرف القدرة بأنها استطاعة أداء العمل، وبأنها طاقة، والطاقة حسب قانون تحول المادة تؤول إلى حركة.
وقد التبس على بعض الناس أمر القدرة الارادية بالقدرة المجردة عن الارادة، فتساءلوا: هل نحن مسيرون أم مخيرون؟
والقدرة نوعان مادية وفهمية:
فأما المادية فمتنوعة كثيرة. إن قدرات العالم الإسلامي المادية كثيرة، ولكنها مهدورة لعدم استخدامه القدرات الفهمية.
وأما الفهمية أو العلمية: فهي معرفة استخدام القدرات المادية أو عملية التسخير وهي التي ترفع مكانة الانسان وترتقي بحياته، واستخدام هذه القدرات هو ما ينقص العالم الاسلامي اليوم وهو سر تخلفه..
وإن القدرات الفهمية وليدة أبوين هما العقل وسنن الكون إذ يتفاعلان لينتجا القدرات الفهمية. إن أحداث التاريخ ووقائع الكون تُعرض على العقل فيكتشف سننها ويسخرها.
ودليل صحة الفهم لسنن الخلق هو تمام التسخير حيث تأتي النتائج كاملة، ولهذا فإن القرآن يأمر بالنظر إلى العواقب وخاصة عواقب الذين خلوا من قبل لاكتشاف سنن المجتمعات، ولكن المسلم اليوم مايزال يعيش في مناخ صنعته عصور الضعف، فهو لهذا مقيد بفهم خاطئ يبعده عن إدراك أسرار إلحاح القرآن على النظر في سنن التاريخ وسِير البشر. إن المسلم مصاب بمرض "الإعراض" كما يسميه القرآن الكريم.
وهذه المواريث التي تمنع الرؤية الصحيحة آصار وأغلال يجب التخلص منها.
إن كتاب جيلنا ومن سبقهم لايبثون في قرائهم اكتساب ملكة البحث لكشف السنن، بل يكتفون بأن يجعلوا قراءهم مقلدين، حيث يحتل الأشخاص مكان الفكرة والحقيقة، وهذا داء يشل القدرة الفهمية في العالم الاسلامي.
الإرادة كانت قدرة
القدرة هي الأصل ثم تأتي الارادة التي تتفاعل معها. فالأصل أن يفهم الانسان مايريد، فإن إمكان فهم الأفضل يُحدث الارادة عند الانسان. وتعود الارادة فتدفع إلى طلب الصواب وزيادة تحصيل القدرات، ويكون انتكاس الأمم والمجتمعات بأن ينشأ قوم يقتصرون على جانب واحد، فتبقى الارادة عزلاء عن القدرة، ويقل العلم.. وهو داء العالم الإسلامي الذي أصيب بذهاب العلم.
وقد أخطأ قوم حين ظنوا أن انهيار الأمم وانحطاطها يصاحبه توسع في العلم. وهذا الخطأ بسبب جهلهم أن علماً أساسياً قد فُقد، وأن العلم الصحيح لايكون سبباً للضلال.
إن تعليق أدلة الايمان في الاسلام بآيات الآفاق والأنفس لدليل على أن البشرية قد بلغت النضج، وأن الدين الاسلامي صالح لكل زمان ومكان.
إن دليل صحة العلم هو في عاقبته أو نتيجته، ولهذا يصير الايمان بالله واليوم الآخر علما طالما أن نتائجه ترى في حياة الناس، وهذا مايجعل الايمان يقدم إلى الناس بالصورة نفسها التي تقدم بها بقية العلوم وبذلك يصبح الايمان علماً.
والمسلم اليوم محتاج إلى هذه القدرات الفهمية ليدخل إلى العالم ومعه الهدى، وإن عالم اليوم المتقدم تكنولوجياً ليمهد لمجيء المثل الأعلى كما مهدت الحضارة الرومانية الطريق للنصرانية.
القدرة الأخلاقية الكامنة
إن الباحث التاريخي يرى قيمة البعد الأخلاقي في أحداث البشر، وفي الاتجاه صوب إقامة الحياة الاخلاقية والتحرر الروحي بتسخير الطاقة المادية للسمو الأخلاقي. واستخدام الانسان للقدرات المودعة فيه لبلوغ هذا السمو، يخرج هذا الانسان من توقعات الملائكة فيه حين توقعت له سفك الدماء والافساد، إلى ما علمه الله فيه.
وحتى تصبح القدرات المادية نعمة للإنسان، يجب أن يتقدم في قدراته النفسية، وأن تصبح الموازين والمقاييس في مجال التقدم المادي.
وبما أن اكتساب القدرات ولا سيما الفهمية يكون سبباً في التوصل إلى اختيار المثل الأعلى المناسب، فإن القدرة تكشف أهمية الارادة، وتعود الارادة فتبعث على تحصيل القدرة وهكذا..
فالعلاقة بين الاخلاص والصواب جدلية، فالاخلاص يدفع إلى طلب الصواب، والصواب يولد الاخلاص وينميه. وعدم وضوح هذه العلاقة يشوش موقف الغربي تجاه المسلم، وموقف المسلم تجاه الغربي.
أسلوب آخر لتعريف الصواب
إن الصواب هو كشف العلاقة السليمة بين الانسان وخالقه بالعبودية، وبين الانسان والانسان بالعدل والاحسان، وبين الانسان والكون بالتسخير. والقدرة الفهمية هي التي توصل إلى كشف هذه العلاقات عن طريق دراسة آيات الآفاق والأنفس التي تشهد لآيات الكتاب.
اضافةتعليق
التعليقات