بعد ساعات من النقاش الحاد الذي كانت صديقتي المتسببة به وهي تخبرني أنها باتت تخشى نظرات الآخرين وبات الكلام الخارجي ينهش داخلها وترى أنها عليها تقمص أدوارهم السخيفة والتخلي عن عفويتها خوفا من أحاديثهم التي لاتمت لها بصلة، تنهدت قليلا وقلت:
أرجوك عزيزتي أنا أيضا أملك الكثير من المسببات التي يمكن أن تحول حياتنا إلى جحيم وخطواتنا إلى رجل آلي يتحرك بمفتاح تحكم لكنني ابتلعها كي لاتفسدنا وتفسد بذور العفوية فينا ونحن نسير حسب أهواء المحيطين حتى لو كانت خاطئة فقط لأن كلماتهم جارحة ونحن نخاف حتى أنفسنا فكيف هم فقط كي لانتعبهم ولانتعب ولكن دواخلنا تموت مع الأيام دون ادراك منا ثم نجدنا فقدنا أنفسنا بلحظة ما.
نعم أنا لست كاملة فالكمال لله ولست بذاك الالتزام الذي يخولني لأحكم على غيري أو أرميهم بما ليس فيهم فقط لأن عيني المشوهة رأت تشوه فيهم دون دليل، عزيزتي تجاهلي كل ماتعتقدين أنه يستحق التجاهل طالما أنك واثقة من نفسك ومن خطاك وإن استطعتِ أن تمتصي توافه الأمور فلا تترددي أبدا فحقا التخلي عن أنفسنا يخيفني لدرجة أن اصحو يوما وأجد انني استهلكت نفسي بالقيل والقال وسوء الظن وكل ماهو محال.
وقبل أن تقرري تغيير نفسك لأجل كلمة أو نظرة أو ردة فعل أحدهم خارج حدودك، اسألي نفسك وقلبك هل ياترى حقا هذه الكلمة تستحق أن نتشاجر حولها أو أن أغير ذاتي لأجلها وهل يمكنني أن اتجاوزها، هل هي بهذه الضخامة؟
فإن كان جوابك (نعم) إذاً لتكوني راضية عن توابعها أجمعين حتى إن نظرت بعد مرور الأيام ولم تجدي نفسك، إياك واقامة العزاء وأنت من دفنت ذاتك لأجل قول مر من نسي لم يعد موجود، وإن كان جوابك (لا) فحبا بالله كفانا تعذيبا لأنفسنا ولنكن كما نحن دون أن نترك للشوائب باب لتدخل وتفسد مافينا من جمال، فبعد رؤية الكثير من الردود والأفعال البغيضة والمنتشرة بين الناس مؤخرا، أدركت أن الانسان حقا بات يخشى الحديث أو الابداء عن رأيه وما تحتويه نفسه والظهور بطبيعته خوفا من الرفض أو السخرية وربما التجهم من قبل الاخرين، ثم إنني أدركت أن الاخرين يريدون أن نتقمص كل شيء حتى ننسى أنفسنا ونغيب عن ذواتنا فقط لأرضاء الآخرين الذين لايعدون سوى محيط خارجي سطحي في حياتنا.
فقط لربما لأنهم يطرحون أفكارهم البالية في علب من ذهب لذلك تكون مسموعة ولكن داخلها صدأ لايمتلك ذرة من الصلاح والحقيقة هم فقط يسيرون على ماقاله آبائهم الأولين أو لأنهم فشلوا بما وصلنا نحن إليه فلم يرتضوا نجاحنا وقرروا أن يجعلوه شبيها بفشلهم وبأرواحهم المهترئة جراء السموم التي انتشرت فيهم دون ادراكهم.
عزيزتي يمكنك أن تكوني سيدة مزاجك أو على الأقل عليك أن لاتسمحي لأحد أن ينتزع شغفك من نفسك، بإمكانك أن ترافقي من تحبي طالما أنك واثقة أن طهارة القلوب جمعتكم وليس سوء تفكير الآخرين حتى لو كانت أكواب قهوة أو كتاب أو حديقة من الأزهار أو شخص رأيت أنه زهرة.
كوني لنفسك ومن بعد أتركي مسافة ثم الآخرين فعليك أن تكوني دوما مزهرة حتى لو كنت في جحيم وحدتك فما ضرك لو أغرمت بذاتك التي يسكنها النقاء وقدست نفسك بعيدا عن أيدي الشياطين الذين يرون أن الحقيقة بقتل نفسك والسير على طريقهم المملوء بالظلام فقط لأنه طريق الأكثرية من الناس.
(لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه)، كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام وما زالت ترن في أذهان البشرية جمعاء وهي تذكرنا أن طريق الحق موحش والسبب هو قلة سالكي هذا الطريق، ولكن قبل ذلك علينا أن نعرف من هو الحق وأين طريقه حتى نسلكه ولا نبالي أسلكه غيرنا أم لا ففي النهاية سنبقى نحن مع أنفسنا فقط لانشعر بأي شيء ولانرى أحد من كل أولئك الذين اتهمونا في طريقنا ثم نضع على الجميع علامات استفهام!.
من هم؟
وكيف وصل بنا الحال إلى هنا؟
لكن بعد هذا الاستفهام لاعودة ولا اعادة لكل مامضى فنقاط القوة فينا تحطمت ونقاط الضعف ازدادت بينما لو كنا تجاوزناهم كما نتجاوز الأحاديث العابرة والعصبية المفرطة لكنّا الآن نحن واقفين وفخورين بأنفسنا بأننا نحن ها هنا تجاوزنا الناس والشوارع وكل شيء إلا أنفسنا الطاهرة فإياك أن تجعل في نفسك ندوبا من الناس ودعها بيضاء ناصعة، فقد قرأت لأحدهم: (ضحكت فقالوا: ألا تحتشم؟ بكيت فقالوا: ألا تبتسم؟.. بسمت فقالوا: يرائي بها، عبست فقالوا: بدا ما كتم.. صمت فقالوا كليل اللسان نطقت فقالوا كثير الكلم.. حلمت فقالوا صنيع الجبان ولو كان مقتدرا لانتقم.. بسلت فقالوا لطيش به وما كان مجترئا لو حكم.. يقولون شذ إن قلت لا وامعة حين وافقتهم.. فأيقنت أني مهما أرد رضى الناس لا بدّ من أن أذم..
فحياة يقودها عقلك.. أفضل بكثير من حياة يقودها كلام الناس. الناس لا ينصفون الحيّ بينهم.. حتى إذا ما توارى عنهم ندموا.
اضافةتعليق
التعليقات