يسير النمل في صف منسق ويتعاون النحل مع بعضه البعض بانسجام في مملكة صغيرة، كما تطير أسراب الاوز في مشهد جميل راسما أجمل لوحات العمل الجماعي المنظم مستخدما تقنيات تمد المجموعة بالسرعة والجمال الساحر.
يقلب المؤمن صفحات التأمل في أعاجيب خلق البارئ سبحانه وتعالى ليمتع بصيرته قبل بصره بما وضعه الله من أسرار يستنبط منها الانسان ضروب الحكمة وأصناف المواعظ.
فتلك المشاهد وغيرها ما هي إلا إشارات من خالق الأكوان ومسيرها، لأهمية العمل الجماعي وفوائده لما له من آثار عجيبة في اكمال العمل وإتقانه في الآن ذاته.
فبالتعاون والتعاضد يشد الإنسان أزر أخيه الانسان ويشاركه رأيه ورؤيته ليصنعا مجدا تليدا عجز عن صنعه الأفراد الأنانيون ومن رغب بحيازة الفضل والمدح لذاته دون إشراك الآخرين ناهيك عن جوانب القصور والتقصير التي سيقع ضحيتها في بعده عن أخذ النصيحة والمشورة.
فكيف أستطيع أن أتجاوز هواي وأتعاون مع أقراني في أعمال تحفر في صخرة التاريخ وتنقش في سجل أعمالي؟
علي أولا ان استحضر اوامر الله سبحانه في هذا المجال، ففي ديننا كاملِ التعاليم ودائمِ المنافع، نجد آلاف الشواهد من آيات واحاديث تحثنا على اتخاذ طريق التعاون سبيلا يوصلنا للمعالي فقد قال تعالى في محكم آياته: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
وكما ورد في الأثر عن نبي الرحمة وقدوة الأمة أنه كان يتعاون مع أصحابه، كأنه أحدهم لا يترفع عليهم في قليل ولا كثير، ففي أحد اسفاره أمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها، وقال آخر علي سلخها، وقال آخر: علي طبخها، فقال (صلى الله عليه وآله): وعلي جمع الحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن نكفيك، فقال: قد علمت أنكم تكفونني، ولكني أكره أن أتميز عليكم، فإن الله يكره من عبده أن يراه مميزاً بين أصحابه، ثم قام فجمع الحطب.
ثانيا،علي أن ألقي في نفسي فوائد العمل الجماعي ومنها تجاوز الأخطاء الفردية وسرعة العمل
وتذليل الصعوبات وتعلم فنون القيادة والتواصل الاجتماعي إضافة الى اكتساب الاصدقاء والفوز بالخبرات المتزايدة فاعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله.
وقد يقول البعض لقد رأينا انجازات فريدة أبدعها أفراد لم ينتموا لمجموعة ولم يخوضوا تجارب التعاون، وهنا لابد من الإلتفات الى إن الإنسان خُلق صفحة بيضاء علمه الله ما لم يعلم تدريجيا، فأي إنجاز في شتى مجالات الحياة ما هو إلا تراكم لخبرات الاسلاف قام الإنسان بتعلمها والافادة منها ولم يصل له بمحض علمه الذاتي، فما أروع ان نستقي العلم من منبعه الذي لا ينضب ومن غديره الأعذب وهو علم محمد وآل محمد عليهم السلام الإلهي الخالص من شوائب الهوى وأمراض النفوس، التي تعلو بالمرء إلى جنان خالدة ونعيم لا يزول.
اضافةتعليق
التعليقات