لليالي شهر رمضان المبارك ميزة خاصة، ليال تجمع اﻷحبة تحل بركتها على الجميع، النهل من العلوم فيها يفوق أثراً بقية الليالي.
ولختمها باستلهام معلومات ذات قيمة وتطوير لذواتنا التي لا بد لها من التزود دوماً، قامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية باستضافة الاستاذة العلوية أم محمد الشيرازي في أمسية رمضانية اجتمعت فيها الكاتبات اللاتي يسعين لجعل قلمهن ذا وقع في النفوس بنقل ما يعود بالفائدة والنفع. وذلك يوم الثلاثاء المصادف 27 من شهر رمضان المبارك في مقر جمعية المودة.
افتتحت فيها الشيرازي الحديث عن أهمية الكتابة وقالت بأن لكل شيء أربعة علل (العلة الفاعلية، العلة المادية، العلة الصورية، العلة الغائية) هذه العلل علينا أن نطبقها في عالم الكتابة: ففي العلة الفاعلية، كلما كان الفاعل يتقن الصنع أكثر سيكون الأفضل، وهكذا كلما الكاتب يرتقي بنفسه تكون كتابته أفضل.
أما العلة المادية للكتابة فكلما يكون الابداع أكثر بالكتابة حيث يكون الأسلوب جديد مميز يكون التأثير أكثر، والمشكلة التي نعاني منها في كتاباتنا هي تكرار المكررات.
وأضافت: يوجد هناك عقليتان: العقلية المبدعة والعقلية المقلدة، العقلية المبدعة هي التي تبتكر ولا تقلد الآخرين، إن مشكلة مدارسنا انها تقتل الابداع عند الاطفال، لا يعلمون الطفل أن يبدع لذا نراه ينفر من الدراسة، ﻷنهم يركزون على الحفظ دون النوع، وأحياناً الامهات تقتل الابداع عند أولادها أيضاً، عندما يتحرك أو يلعب فتنهاه عن كل شيء، لا تفعل، لا تذهب.. هذه الامور تقتل الابداع.
في الغرب عادة يبدعون في الكتابة ﻷنهم يركزون على ذلك، فعلينا ان نسعى للابداع والتغيير.
وإن لم نمتلك العقلية المبدعة لنمتلك العقلية المقلدة ونبحث عن الأفضل، مثلاً نرى الكتاب الأشهر عالمياً أو الكتب المؤثرة نبحث فيها عن علة التأثير وميل الناس لها فنحاول أن نتعلم منها.
نأخذ مثلاً اليابان هم لا يملكون العقلية المبدعة بل العقلية المقلدة لكنهم يأخذون الشيء يقلدونه يصنعون نفسه ويعملون على تطويره يعني لا يقفوا على ذلك ويكتفوا بالتقليد فقط بل عملوا على التطوير لذا اشتهروا.
هناك كاتب قرر أن يكتب أول كتاب له وأراد أن ينشر أكثر من مليون نسخة، أراد أن يكون كتابه عالمياً، في الغرب أمر طبيعي لكن في مجتمعاتنا قليل من يكون كذلك فإن لم أمتلك الابداع اقلد ﻷصل له.
ماذا فعل هذا الكاتب؛ حدد وقت له، التحديد والتنظيم مهم، فالله سبحانه كان بإمكانه ان يخلق السموات والأرض في لحظة لكنه قال في ستة أيام - أي مراحل - اراد أن يُعلم الانسان اهمية التحديد والنظام كي لا يضيع، حدد هذا الكاتب ستة اشهر لقراءة الكتب العالمية الأكثر مبيعاً، اشترى مئة كتاب وحدد وقت لانهاء قراءتها، فنجح بذلك.
ستيفن العالم المشهور فيزيائياً مع ان كتابه كان علمي بحت وعادة هذه الكتب ليس لها جاذبية كثيرة في الوسط لكن كتابه هذا نزل أكثر من مليوني مرة على المواقع.
كيف نستفيد من العمل الذي قام به، نستكشف نقاط القوة، وكلما المادة كانت اجمل أصبح التأثير أكثر، وكلما نبتعد عن التكرار تكون افضل.
العلة الفاعلية هي التأثير الفاعل، شخصيتنا تنجلي على كتابتنا تنعكس على ما نكتب. ففي المرحلة الأولى لا بد لشخصيتي أن تُصاغ بشكل صحيح ونبنيها أحسن بناء لنصل للتأثير.
وفي العلة الرابعة العلة الغائية هي من جانب القارىء عندما يقرأ عليه أن يرى ماالغاية من قراءة هذا الكتاب ماذا سيضيف لي؟ ماذا أريد أن أضيف لنفسي من قراءتي له؟
علينا أن نفكر اننا عندما نقرأ كتاباً ما لا بد أن يضيف لنا شيء وليس لتمضية الوقت وحسب.
وأما من حيث الكاتب فما الهدف الذي اكتب من اجله؟ وما الدافع الذي يدفعني للكتابة؟ بعض الناس يكتب للشهرة وهذا لاينفع ولايدوم، فلا يكن الدافع كذلك.
أحياناً يكون استكشاف الداخل صعب يحتاج الى تأمل وتلقين للنفس بأني اكتب من اجل هدف سامي مخلص لله سبحانه، لننظر لمّ هذا التأثير للمؤلف الشيخ عباس القمي على الناس في كتبه، ترى أنه كان مخلصاً ولم يبغِ شهرة أو مادة بل كان هدفه أسمى من ذلك، تحلى بسمو النفس وشرف الاخلاق..
كلما كان الاخلاص أكثر أثر على الكتابة أكثر.
كيف نستكشف نيتنا واخلاصنا؟
وارد ايضاً أن الشخص قد يبدأ باخلاص لكنه لا يخرج بالاخلاص نفسه، فكيف يحافظ على دوام ذلك الاخلاص، لو فكرت بأن ما كتبته سينشر بإسم آخر، في قرارة ذاتي هل سأتأذى أم لا؟ أم مايهمني هو نشر الفكر الصحيح؟
أحد العلماء ألّف كتاباً قضى سنتين كاملة عليه حتى جعله مجلدين، والتأليف صعب كما تعلمون، بعد السنتين رأى إن أحد المجلدات فُقد منه، وبعد مدة وهو في السوق رأى كتاب جذب نظره أخذه ليتصفحه وجد أنه نفس كتابه، بحث عمن وضع اسمه على كتابه ولما وجده أهداه المجلد الثاني وقال له كان هدفي نشره، فكما طبعت المجلد الأول باسمك هذا المجلد الثاني أيضاً اطبعه باسمك..
فالعمل الباقي العمل المخلص المتصل بالله تعالى، أحد العلماء كذلك شوهد آخر حياته وكان قلق فسألوه لمَ؟ قال لهم: هذا القول يخيفني (اخلص العمل فإن الناقد بصير بصير).
وكما أضع وقت للكتابة علي أن اضع وقت لإعادة صياغة منطلقي، دوافعي لبناء نفسي، ولا ننخدع بالشبهات التي تعترينا كأن نقول نريد أن نُخلص العمل فلا نكتب إن لم يكن ذلك هذا غير صحيح أيضاً، فعلينا أن نكتب ونسعى ﻷن نكون مخلصين، ولا نتركها لأنا لا نرى الاخلاص.
وأشارت الشيرازي الى محور آخر وهو كيف نتأمل ونتدبر في الحديث بالأخص حديث أهل البيت (عليهم السلام)، نحن لا نستطيع أن نحيط به تماماً، فعندما نقرأ الآية والحديث كيف نتدبر بها؟
اللغة العربية عميقة تختلف عن باقي اللغات، بعض الكلمات تبدو جامدة وهي في الحقيقة مشتقة، ولايوجد عندنا في اللغة العربية مترادف حقيقي لكلٍ معنى معين، قد تبدو في نظراتنا مترادفة لكن بالحقيقة ليست هكذا تماما، فنراجع معاجم اللغة لنرى معنى المادة ودلالاتها، وهذه الطريقة تعطينا أفكار جديدة، مثلا لدينا كتاب مجمع البحرين يذكر الكلمات ويشرحها بشكل مفيد، فيعطي للقارىء فكرة عامة عن الموضوع، وبعض الكلمات لها ظلال وهذه الظلال إن اكتشفناها تفيدنا بالكتابة كثيرا.
كلما يمتلىء الانسان فكرياً سيؤثر أكثر على كتابته حتى وان لم يستفد من هذه المطالعة كثيراً.
أحد العلماء يقول اذا اردت ان اكتب اطالع مئة ساعة، حتى وان لم استفد كثيراً من ذلك لكن ستتكون فكرة لدي، وعندما نراجع معاجم اللغة العربية نستكشف ظلال الكلمة فتضيف لنا معلومة جديدة فمثلاً كلمة العفو والصفح المستخدمة في القرآن ما تعني كل كلمة والفروق التي توجد بينها، عندما نستكشف الظلال تعطينا افكار جديدة للكتابة، وكذلك الاطلاع على الروايات واستقراءها وطرح الاسئلة حولها تُغني العقل حتى لا يتجمد وينظر من زوايا جديدة.
وختمت الشيرازي كلامها: ونحن ككاتبات نحتاج الى التدرج العلمي، لدينا معلومات لكنها لا تكفي لاستمرارنا بالكتابة، فالماء الراكد اذا بقي مدة يفسد، كذلك الانسان إن تجمد على فكره سيفسد، والانسان إما يتقدم او يتأخر، وكلما تأخرت ضعفت كتابتي ولم استمر، لنخصص ربع ساعة للدراسة، الاطلاع او نستشير لنرتقي بفكرنا.
فكثرة مطالعة الروايات روايات أهل البيت (عليهم السلام) مهمة ومفيدة جداً، فهذا يعطي العمق ويزيد بتقوى الانسان وتقوية فكره.
وجدير بالذكر أن أم محمد الشيرازي كريمة آية الله السيد مرتضى الشيرازي وحفيدة الامام الشيرازي الراحل وأستاذة في حوزة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في قم المقدسة وصاحبة مؤلفات في نهج البلاغة كما ترأس مركز التحقيق والنشر للفكر العلوي.
اضافةتعليق
التعليقات