الدين والسياسة عنصران متلازمان لمن يرى التكامل فيهما، فهناك العديد من الصفات التي من المفترض أن يتحلى بها أي قائد تعود جذورها إلى جذور إنسانية منبعها وأساسها الدين، فدين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دين الإنسانية والأدلة واضحة وبشهادة المختصين من الغرب وتسبقها شهادة العادل المطلق عزّ وجل حينما يقول في محكم كتابه (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، (إنكَ لعلى خلق عظيم) وغيرها مما تثبت له الأخلاق الفاضلة، وهي السلاح الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقيادة عناد العرب آنذاك وتحطيم كل التحريضات التي التفت حوله، فحورب وضرب وتأذى وعاملهم بالحسنى والمساعدة ورد الإساءة بالاحسان فاستطاع أن يلامس قلوبهم بأخلاقه وينطلق إلى عقولهم بعدله وكياسته.
لقد اعتبر بعض الناس أنّ الإسلام مسألة فرديّة، وفصلوه عن السياسة، في حين أنّ نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الهجرة، ومن اللحظة الأولى الّتي تمكّن فيها من النجاة من مكّة، فإنّ أوّل ما عمل عليه إقامة المجتمع الإسلاميّ وتشكيل الحكومة والنظام والجيش الإسلاميّ، وإرسال الرسائل إلى حكّام العالم الكبار، والدخول في معترك السياسة آنذاك، تُعدّ كلها من شؤون السياسة. فكيف يمكن فصل الدين عن السياسة؟! وكيف يمكن إعطاء السياسة معنىً ومضموناً وشكلاً بِيَد غير يد الهداية الإسلامية؟! ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}. إنهم يؤمنون بالقرآن، لكنهم لا يؤمنون بسياسته!﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) فما معنى القسط؟ إنّ القسط يعني إقرار العدالة الاجتماعية في المجتمع.
فمن الّذي يستطيع تحمّل هذا العبء؟ إنّ إقامة مجتمع يعمّه العدل والقسط هو عملٌ سياسيّ يقوم به مدراء البلاد، وهذا هو هدف الأنبياء جميعاً.
فليس الأمر مقتصراً على نبيّنا فقط، بل إنّ عيسى وموسى وإبراهيم وجميع الأنبياء الإلهيين عليهم السلام قد بُعثوا من أجل العمل السياسيّ وإقامة النظام الإسلاميّ.
ومن أهم مبادئ العمل السياسي إقامة العدل، نصرة المظلوم، القضاء على الفساد بكل أنواعه، عدم حكر المال العام لجهة معينة على حساب جهة أخرى، المساواة، وغيرها من المبادئ التي يكفلها الدستور، وتقرّها قوانين الدول جميعا، أليست هذه الأُطر العامة للدين، وما أنزل الله الأنبياء إلا لإقامة هذه الحقوق لكل إنسان على وجه الكرة الأرضية، فالدين هو المعاملة، استطاع الرسول الأكرم من خلال سيرة حياته أن يبني الأساس للحقوق والحريات، كحرية الأديان، وحرية إبداء الرأي فكان هناك من يقف في منتصف المسجد ويحاججه ويجيبه الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.
لكن بعد استشهاده لم ترق تلك المعاملة لمن حوله فبدأت أوبئة الطمع، وحب الرئاسة، تظهر لتمنع الرسول من أن يجعل خليفة يستطيع إكمال ما بدأه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمنعوه من أن يكتب وصيته بقول (أن الرجل ليهجر)، ثم الطعن بإختيار أسامة بن زيد قائدا للجيش كون أنفسهم تأبى أن يقودهم فتى وهم شيوخا ولهم مقامهم في الأمة، ومن أولئك إلى الآن ترتفع الأصوات لفصل الدين عن السياسة بسبب تلك الأمراض التي سيطرت على من توّل الحكم، فاتهموا الدين ولم يتهموا من استغل هذه المفردة للولوج إلى السلطة والحكم، ومن قضية منبر رسول الله إلى قضية عمامة رسول الله صعدوا وتمسكوا بزمام الأمور تحت عنوان الدين حتى يعطوا رسالة للناس أن الدين والمتدينين هم منبت الخراب والفساد، فحصل ما أرادوا فهذه الشعوب العربية راحت تنادي بفصل الدين عن السياسة لتهيمن العلمانية من جديد وليتم التخلص من الأديان حتى تكون البلاد العربية منقادة تمام الانتقياد لمطامع أولئك وينهبوا ما ينهبوا من فكر وعقيدة وثروات.
فلا بد من من الإشارة إلى أن الالتزام بتعاليم الله وقوانين السماء هي ضرورة إنسانية من المفترض أن تتحلى بها الشعوب أولا ومن ثم اختيار من يمثلهم حتى لا نكون ضمن قاعدة كيفما تكونوا يولى عليكم، فهي دعوة لإصلاح أنفسنا حتى نحصل على قائد مُصلح يقود ربان السفينة ويوصلها بأمان.
اضافةتعليق
التعليقات