نأتي إلى الدنيا ورقة بيضاء ناصعة قريبة منها لعالم الأحلام والخيال العجيب عن الواقع، مساحات واسعة براقة نرتع فيها ونلهو مستمتعين برحلة الطفولة التي تعطينا تذاكر مرور غير منتهيه - أو هكذا كنا نظنها - لعوالم لم يكن يفصلها عن الواقع شيء، وكأننا شخصين متناغمين بعالمين يتآلفان في جسد واحد يعطي للأحلام حقها كما الواقع، بذكاء حكيم صغير يساير الكبار الفقراء المساكين بالأمر والطاعة ويخفي كنزه بداخله ولا يظهره إلا عندما يطمئن من ذهاب مختاليه.
ولكن مع مرور الأعوام وتوسع دائرة الوعي تنحسر تلك المنطقة الجميلة البراقة، استراحتنا التي نسرقها من اليوم لنهرب فيها إلى عوالم شبيهة (بالديزني لاند) لكنها حقيقية تجعلنا نطير بلا كواليس، ونُبحر بلا مؤثرات، نعيش في شجرة ونفترش سفرة نزهتنا على سطح زهرة فتفسده علينا نحلة كسولة ومتأخرة بعملها عن أخواتها، قد فوتت صباح العمل باللعب والرقص..
كبرنا وكبرت معنا أحلامنا، وأصبحت محدودة بالواقع بعد أن لم تكن كذلك، وفي كل مرة نأتي لنفترشها على زهرة الأمنيات تأتي سطوة الواقع كنحلة كسولة ترتطم بنا فتسقطنا أرضاً نحن وكل أمتعتنا وعدتنا معلنةً بذلك نهاية الرحلة على أمل البحث عن رحلة أحلام أخرى.
نحن ناضجين بما فيه الكفايه لنعلم بأن الأحلام تبقى مجرد أفكار وردية تدور في الذهن كأفيون لطيف يخفف عن الفكر ثقل أفكاره الواقعيه الرتيبة، وإنها لا يمكن أن ترى النور أو تتحقق ما لم نحولها إلى أهداف نسعى ونجتهد لتحقيقها.. مع مراعاة أرتفاع سطح هذه الأحلام مع أمكانياتنا وقدراتنا.
لكن ماذا لو نفذ رصيدنا من الأحلام، أو ماذا لو كانت هناك بقايا أحلام لا تلبث طويلاً حتى تُجهض.
ماذا لو خفنا أن نحلم كلما تقدمنا في العمر، في الخيبات، في الأرتطامات لتصبح المنطقة العظمى للواقعية وتصبح أرض تفكيرنا غير صالحة لرفاهية نمو الأحلام..
وإن نمت بذرة عنيدة فهي غير طويلة الصلاحية سرعان ما تمتد إليها يد التسويف من جهة واللامعقولية من جهة أخرى وأرض الواقع من جهاتها الأوسع.
وتصبح تدور بين امكانية التطبيق، أمكانية القبول، أمكانية الرفض، كمعاملة بدوائر عراقية نتراهن على تمامها في يوم واحد!.
الكثير والكثير من الحواجز الكونكريتية التي نضعها أمامها فتحجب عنها النور، وتقبع في جهة سحيقة كالذكريات المنسية التي نستعيدها بين فترة وأخرى نمسح عنها الغبار تحضيرا لمراسيم الدفن الأخيرة..
حتى يأتي ذلك اليوم الذي نرى فيه ذلك الحلم الذي رأيناه مستحيلاً، ماثل أمامنا على أرض الواقع وقد حققه غيرنا لا لأنه أفضل أو أقدر، بل لأنه لم يهمله أو يقتله بل أنصت اليه وعمل من أجل أن يخرجه من صندوق الأفكار ويجعله يتكلم كواقع..
نعلم أنه لولا الأحلام لما وطأت أقدامنا أرض القمر، ولما أصبحت بين أيدينا صورة توثيقية للثقب الأسود بعد أن كان وجوده مجرد فكرة تدور في خلد اينشتاين وغيره وتتراوح بين القبول والرفض،
ولما ركبنا الطائرة وحلقنا أبعد من الطيور، ولكن نعلم كذلك أنه لو لم يتم السعي والعمل بلا يأس أو قنوط المحاولات لتحقيق ذلك لظلت أمنية التحليق ترافقنا مع كل نظرة الى السماء..
اضافةتعليق
التعليقات