شهدت الآونة الأخيرة عدة جرائم مجهولة، حيث عجزت أجهزة الأمن عن كشف هوية مرتكبيها لعدم توافر أي دليل يقود إلى شخصيتهم، وهو ما يثير التساؤل حول مصير تلك الجرائم، وهل يتم تقييدها ضد مجهول وحفظ التحقيق بها من عدمه، وتلك من الحقائق المريرة التي تزيد من مرارة الحياة العراقية وتساهم في زيادة المعاناة التي يعيشها المواطن.
لا نريد في هذا السرد الموجز أن نعدد الجرائم التي ارتكبت في وضح النهار ووسط شوارع المدن العراقية ضد شخصيات سياسية وثقافية واجتماعية وعناصر مجتمع مدني وقيدت ضد مجهول، والحقيقة أن القاتل لم يكن مجهول مطلقاً، وعلى أمل أن ذاكرة العراقيين لا تحفظ مثل تلك الجرائم حيث يتم تجاوزها بانتظار جريمة أخرى لأسباب قد تكون هي نفس الأسباب أو قد تختلف عنها.
هل حقاً إن قتلة العراقيين مجهولين ولا نستطيع أن نتعرف عليهم؟ أو من الصعب أن نتوصل إلى وجوههم ومراجعهم والأماكن التي تأويهم، والجهات التي يحتمون بها وتمدهم بآلات القتل والموت، وتتستر عليهم وتمنحهم المكافأة والحماية!.
القتل المجهول: هو عملية إنهاء حياة كائن حي بفعل كائن آخر مجهول.
وردت لنا وسائل الاعلام أحد حالات القتل المجهول حيث قتلت الناشطة العراقية سعاد العلي بإطلاق نار في مدينة البصرة التي شهدت مؤخرا احتجاجات واسعة معارضة للحكومة.
وأظهر مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة مقتل الناشطة في منطقة العباسية يوم الثلاثاء، إذ اقترب منها شخص ثم أطلق الرصاص عليها بينما كانت تستقل سيارتها.
وأصيب في الهجوم شخص آخر يُعتقد أنه زوجها.
وكانت سعاد العلي من مؤيدي المظاهرات التي نُظمت في البصرة ضد الحكومة المركزية بسبب نقص مياه الشرب النظيفة والكهرباء وارتفاع معدلات البطالة في المحافظة الغنية بالنفط.
وترأست الناشطة القتيلة منظمة "الود العالمي" لحقوق الإنسان التي نشرت على موقعها الالكتروني صورة لها، يبدو أنها التقطت مطلع الشهر الحالي، أثناء مشاركتها مع مجموعة نساء في مظاهرات البصرة، وكتبت تعليقا عليها: "نقف إلى جانب إخوتنا وأبناءنا وعائلاتنا في بصرتنا".
وأيضا تناولت وسائل الاعلام من ضمن حالات القتل باطلاقات نارية مجهولة هو مقتل الكاتب الروائي الدكتور ((علاء مشذوب)) حيث أدان المركز العراقي لدعم حرية التعبير (حقوق)، مقتل الأكاديمي والروائي علاء مشذوب في شارع ميثم التمار وسط محافظة كربلاء من قبل مسلحين يستقلون دراجة نارية.
وفي الوقت الذي يعرب المركز العراقي لدعم حرية التعبير (حقوق)، عن أشد عبارات الاستنكار، فإنه يطالب الحكومة المحلية وقائد شرطة المحافظة اللواء أحمد زويني بفتح تحقيق فعلي لتقديم الجناة إلى العدالة وبشكل عاجل، لكون معاقبة قتلة مشذوب سيرسل رسالة واضحة وقوية لجميع من تسول لهم نفسهم باللجوء إلى العنف لكبح حرية التعبير.
وأبلغ ممثل المركز العراقي لدعم حرية التعبير (حقوق) في كربلاء، أن مسلحين مجهولين يستقلان دراجة نارية أقدموا على إطلاق 14 رصاصة في صدر ورأس الأكاديمي والروائي علاء مشذوب.
وإن تعدد ارتكاب الجرائم التي راح ضحيتها رجال ونساء معروفين يتطلب موقفاً مسؤولاً من الأجهزة الأمنية ومن الحكومة التي تتحمل المسؤولية عن دماء الناس، وعن متابعة القضايا وصولاً إلى تقديم الجناة إلى المحاكمات العادلة، فلم تلق تلك الجرائم ذلك الاهتمام الكافي والمتناسب في البحث عن الجناة، وتشخيص مراجعهم وهوياتهم، ولم تلق إلا الاستنكار المعنوي والخجول الذي لا يلبث أن يتبخر مع انقضاء نهار دموي جديد على العراق الذي يستمر مسلسل الدم والموت فيه لعدم وجود كابح قانوني وإجراء يتناسب مع هول وفداحة الخسارة في موت الناس.
فإن حالات الإجرام المرتكبة بحق البشر مدانة ويجب أن تكون العقوبة صارمة وفي مكانها المتناسب مع خطورتها في مراحل التحقيق الأولي أو الابتدائي، وأن تلقى من السلطة التنفيذية ومن القضاء العراقي الردع والعقوبة المتناسبة مع الظرف والزمان الذي تم فيه ارتكاب تلك الجرائم.
بانتظار أن يتم كشف الحقائق والتوصل إلى الفاعلين الحقيقيين ومن يقف خلفهم، وبانتظار أن تكون تلك الأرواح البريئة سبباً لاهتمام الحكومة والمسؤولين بتلك الأرواح البشرية المسالمة، وبانتظار أن نتعرف على الفاعل مهما كانت قوميته أو جنسيته أو مذهبه أو دينه.
وهناك قضايا، وألغاز، وقتل، وسرقة، واعتداء، وغيرها من الجرائم متعددة الأنواع والأساليب، قصص واقعية سمعنا ونسمع بها بشكل شبه يومي، وتكون نهايتها كما تعودنا أن يقدم الجاني للمحاكمة ليأخذ عقابه، هذا هو الطبيعي، ولكن غير العادي هو ألا يعاقب أحد، ولا يقدم أي شخص للمحاكمة، والسبب أن الفاعل مجهول.
إلى متى يا عراق ستفقد الشخصيات الإنسانية او الشخصيات المهمة المثقفةا لتي تحاول اسعاد المجتمع وتطويره وتقديم الخدمات اللازمة له.
إلى متى ستبقى الرصاصة المجهولة تدور في كل محافظة لتسفك دماء الأبرياء، ما ذنبهم، هل لأنهم أحبوا الحياة هل لأنهم أصبحوا شخصيات معروفة!.
عاشت بلادي الكثير من الحروب والمعاناة والقتل فرفقا بهذه البلاد التي عاشت كل الظروف السيئة، نحن بلاد الخير، بلاد اهل البيت "عليهم السلام" لذلك يجب أن نقتدي بهم وليس نقوم بقتل بعضنا البعض، أين ذهبت الإنسانية، أين ذهبت الرحمة والمودة والأخوة بين أبناء شعبنا، لذلك على الحكومة التشديد في وسائل الرقابة والبحث عن الجناة الذين يجولون في الشوارع وبين الناس ويسفكون الدماء برصاصتهم التي لم تعرف إلى أي جهة منتمية.
وتعد جريمة القتل أشد الجرائم خطورة على المجتمع لأنها تستهدف الانسان الذي هو أساس كل شيء في المجتمع، لذا شددت جميع الشرائع السماوية والوضعية على حرمتها، وامتدت تلك الحرمة إلى الأعمال التي تؤدي إلى القتل والتي تبدو لأول وهلة وكأنها غير مكونة لأركان جريمة القتل، حيث أشار القرآن الكريم إلى تحريم قتل النفس وجعل قتل النفس بمثابة قتل الناس جميعاً كما ورد في سورة المائدة: (انه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً).
اضافةتعليق
التعليقات