من المعروف ان الخيال هو الرؤية بعيون العقل، وهو بالطبع سمة أساسية من سمات العقل البشري، ويذهب البعض الى القول بأن القدرة على التخيل هي ما يميز العقل البشري عن عقول باقي الحيوانات، إلا اننا لا نستطيع أن نؤكد ذلك لأننا في الواقع لا نعرف ما الذي يدور في عقول الحيوانات.
ومن خلال هذه الميزة التي وهبنا الله إياها نستطيع ان نسترجع في اذهاننا احداثا واشخاصا وأمورا لسنا على اتصال مباشر معها، ربما تكون قد حدثت في الماضي، ويعمل العقل على استحضارها في المخيلة، وقد يتخيل الإنسان احداثا غير واقعية أو أشخاصا وهميين يجعل لهم كيانا في ذهنه فقط.
فإذا طلبت اليك ان تفكر في أقرب صديق اليك، أو في مدرستك التي كنت تذهب اليها وأنت صغير، أو أن تفكر في الفيل مثلا، فأنت عندها تستحضر في عقلك صورا ذهنية عن تجارب واقعية حدثت معك، وكنت على تماس مباشر معها، ولها كيان مادي في واقع الحياة.
أما إذا طلبت منك أن تفكر في دب قطبي لونه أخضر يلبس فستانا، فأنت أيضا تستطيع ان تتخيل ذلك، ولكنك في هذه الحالة، تتخيل في ذهنك صورة لشيء لم تره من قبل، ولم تكن لك معه أي صلة واية خبرة، هنا يقوم العقل بتشكيل هذه الصور الافتراضية غير الواقعية في الذهن، وهذا يختلف بالطبع عن تذكر أو استحضار صورة ما.
وهذا ما ندعوه بالصورة التخيلية وغالبا ما تشير كلمة "خيال" الى المفهومين معا أي الخيال الذي يستحضر الى الذهن أمورا واقعية لها وجود، أو تخيل أمور غير واقعية لم يسبق إن كان لها وجود على ارض الواقع.
وفي كلا المعنيين يختلف الخيال عن الابداع، فعملية الابداع تبدأ من الفكر التخيلي، إلا انها تذهب الى ابعد من ذلك، أي الى تجسيد هذه الأفكار الخيالية واخراجها الى حيز الوجود.
فأنت يمكنك أن تستلقي في فراشك دون حركة، في حين يظل عقلك يعمل في حركة دائبة يفكر ويتخيل ويتصور، وهذا ليس ابداعا، وانطلاقا من هذه الفكرة البسيطة يمكننا أن نعطي التعريف الاول للأبداع، على انه "عمليات ذهنية تخيلية ينتج عنها عمل فعلي حقيقي وملموس على أرض الواقع".
وتبقى القدرة على التخيل والتصور هي من المميزات الأساسية للذكاء البشري، وهي تعتبر عاملا محفزا للقدرات والطاقات الأخرى التي يملكها الانسان.
وقد تخطر بعض الأفكار الجديدة في ذهن المبدع بشكلها الكامل والنهائي دون الحاجة الى عمل المزيد، ولكن غالبا ما تكون عملية الابداع اكثر تعقيدا من ذلك، فقد يبدأ العمل الإبداعي بفكرة أولية في مجال ما، ثم يوضع مخطط تقريبي لها، كما يمكن الاستفادة من أفكار لأجل التخريب، بعد ذلك توضع الخطوط العريضة لبناء الفكرة التي تتضح معالمها اثناء العمل، ومن خلال المحاولات العديدة للاقتراب منها، أي انه تجري عدة عمليات تحسين وتطوير على الفكرة الأولية من أجل الوصول الى تشكيل نهائي، وقد نصل في الكثير من الأحيان الى فكرة أخرى مختلفة تماما عن الفكرة الاصلية، وكأن الابداع حوار يدور بين الفكرة النظرية والمادة التي ستجسد هذه الفكرة على أرض الواقع.
اضافةتعليق
التعليقات