نحن نرى القوس قزح بشكله المميز وألوانه الزاهية لكننا لا نعرف ماوراء مظهره، فهو يتشكل من انعكاس ضوء الشمس الذي يمر من خلال قطرات المطر.. كذلك مشاعر الإنسان، قناعاته، أفكاره، اتجاهاته، ورغباته، تظهر في الكثير من الأحيان من خلال انعكاس هذه المخابئ على صفحة الفرد في الخارج، سواء كانت عن طريق كلماته أو تعبيرات وجهه.
فعلى خشبة الحياة يظهر الأشخاص بشكلهم الاعتيادي وحديثهم العام، لكن هناك كواليس لفكرهم وعواطفهم وهذه الكواليس نظنها مخفية إلا أنه بقليل من التركيز والالتفات نستطيع الكشف عنها ومعرفتها.
وقد عبر عن ذلك الامام علي (عليه السلام) حيث يقول في إحدى غرر حكمه:
"ما اضمر أحد شيئاً.. إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه".
المنهج العلوي هنا يؤكد على أهمية عنصرين وهما: كلمات الإنسان، ولغة الجسد وخصوصاً تعبيرات الوجه وكيف أنها تكشف عن دواخل الفرد بشقيها الإيجابي والسلبي.
من الممكن أن نستنبط عدة مفاهيم من هذا الحديث وهي:
1_ أهمية الصدق والوضوح:
هناك مثل ايرلندي يقول: من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن.
حقاً، نحن نفضّل أن نكون وجهاً لوجه أمام العدو ذو الهدف والنية الواضحة على الصديق الذي يسيء إلينا من وراء ظهرنا.
ومن هذا المفهوم تتفرع عدة قيم ومبادئ ومنها خطورة النفاق على المجتمع وعلاقاته.
فالمنافقين مثلاً في زمن النبي صلى الله عليه وآله كشفتهم حركاتهم وأقوالهم، (فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول).
2_ ضرورة علم النفس والتنمية:
المؤمن فطِن، وعليه أن يتعلم كل ما من شأنه أن يطوّره ويقوّيه، وعلم التنمية البشرية مهم وهو (موضة) العصر الحديث والذي يجب على كل شخص معرفة بعض أصوله وفنونه وحيثياته واستثمار قوانينه ونظرياته وتوظيفها مهم جداً في الكثير من جوانب الحياة الشخصية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
وفي هذا الحديث وأحاديث أخرى للامام نجد أنه صلوات الله عليه سبق علماء النفس والاجتماع في وضع مثل هكذا أسس والتي تفيد في معرفة الحلول للكثير من السلوكيات وليس فقط الكشف عنها.
3_ العلاج يبدأ من الداخل:
وهذا يطبق مع كافة المشكلات والأمراض الباطنية التي تنعكس آثارها على الخارج، ومنها الغضب، الحسد، الحقد.. فمهما حاول الإنسان اخفاءها ستظهر على شكل كلمات أو نظرات أو ردة فعل معينة، فمن الصعب السيطرة على المشاعر الداخلية واخفائها لذلك من الأفضل أن يعالج المرء نفسه من البداية إذا كان يعاني من بعض المشاكل النفسية ويكون واضحاً وصريحاً مع ذاته واحتياجاتها على كافة الأصعدة.
ويجب العمل على اصلاح سريرة الانسان وتهذيبها فالإنسان الحسود لابد وأن تفضحه نظراته وحركاته القلقة وكذلك الغاضب لابد وأن ينطق بما لا يليق إذا فقد السيطرة على زمام نفسه "وكل إناء بمافيه ينضح".
4_ خطورة الكبت:
وهو الحاصل من جراء اخفاء مشاعر أو حاجة تؤثر سلباً على حياة الإنسان صحياً واجتماعياً وأخلاقياً لذلك واحدة من أهم طرق العلاج النفسي هو التحدث عن المشكلة التي يعاني منها الفرد والتنفيس عن مكنونات صدره.
إذن، أحاديثك، كلماتك، نظرتك، ابتسامتك، كلها نافذة على قلبك وفكرك وروحك وسوف يلحظها الآخرون بلاشك.. وهي مرآة تعكس باطنك، فحاذر منها وفكّر قبل الاقدام بـأي حركة أو النطق بكلمة، وجاهد على تنظيف جوهرك وتشذيبه ليظهر كل ماهو جميل ومضيء ومفيد إلى الخارج.
اضافةتعليق
التعليقات