مرحبا يا صديقي، لا تقلق الجميع هنا خائفون، كلنا سواسية في الخوف، من الماضي الذي يلحق بنهاية ثوبنا، من المستقبل المجهول الذي نلعق حاضرنا من أجله!، من تلك الذكريات اللعينة التي سببت لكل منا صداع نصفي.. من هذا العمر الذي له مدة صلاحية ولا نعرف متى!
من كل الأشياء التي تحوم حول هذه الأجساد المتهالكة وتحاول قضم قطعة من الذاكرة بحجة التفكير.
إنها خدعة يا صديقي.. الخوف من الأشياء التافهة خدعة كي ينالوا من عقلك، كي يهشموا رأس مشاعرك بمطرقة القلق.. لا تقلق يا صديقي إنه مجرد خوف، إنها خدعة!.
بالتأكيد ولدت وأنت تعرف الخوف، تستشعر طعمه بطرف لسانك كلما مررت من مكان مظلم، أو كلما سمعت أصوات غريبة في حين انقطاع الكهرباء، وخبأت رأسك المكور تحت الملحف في كل مرة يزأر السماء بضرب الرعد نفسه في احشاءه!.
نمت مشاعر الخوف داخلك ورافقتك كذراع ثالث في جسدك، أو كإصبع قدم سادس، أو حتى أنف آخر!.
الكثير سيقول بأن الخوف مشاعر وضعها الله تعالى في داخلنا ونحن لم نتدخل في نشأتها وكلما يضعه الله لنا هو خير ولا يحق لنا أن نتجاوز على هذه المشاعر أو نحاول نفيها من وجودنا المعنوي!.
نعم يا صديقي؟!، هل أنت متأكد من هذه المعلومات الخطيرة؟ اياك أن تبوح بها في مكان آخر أخاف عليك من الخوف نفسه، أخاف أن ترى شخصا فتخاف منه وتموت خوفا من تلقاء نفسك!
حسنا بعيدا عن المزاح لو فكرنا بطريقة عقلانية هنالك الكثير من البشر يولدون ومعهم عاهات خلقية، ويحاول الأطباء أن يصححوا هذا الخطأ من خلال العمليات والطرق العلاجية المختلفة، هل يمكنك أن تقول بأن الله أراد أن يخلقهم بهذه الصورة فالنتركهم بهذا الشكل؟.
وماذا عن الأشخاص المصابين بالأمراض الخبيثة، هل يستسلموا لذلك ويقولوا أنها مشيئة الله ويجب أن نموت ولا نتلقى العلاج لأن الله أراد لنا هذا المرض!.
إنه كلام غير صحيح أبدا، إن الله من الممكن أن يضع فينا الكثير من البلاءات بغرض الاختبار ولكن الاستسلام لها والخضوع سيؤكد فشلنا الكبير في هذا الاختبار الإلهي..
كذلك الخوف يا صديقي وبالأخص الخوف الذي لا يكون في محله والذي يطلقون عليه اليوم (فوبيا)، تتمثل بغدة سرطانية في عقلك الباطني التي يجب استئصالها!.
وأفضل طريقة لذلك هو المقاومة.. ثم التحدي، تتحدى خوفك وتسيطر عليه بعدما كان مسيطرا عليك.. إنها المواجهة يا صديقي.
إنها تبدأ معك من أصغر الأشياء وأتفهها، تبدأ عندك منذ الصغر.. لا زلت أتذكر تلك اللحظات مع أبي الذي علمني كيف أواجه مخاوفي، كيف أغرس يدي في عينها، ربما كنت حينها في السادسة من عمري جالسة عند الساحل ألعب في الرمل وغير مستعدة في التقدم لتلك الأمواج التي بالكاد كانت تصل إلى قدماي، ليأتي أبي من خلفي ويرميني في البحر وأنا أحتضن عنقه خوفا من الغرق وأصرخ: لا يا أبي أخاف، سأغرق، والله سأغرق حتى قال لي: لن تغرقي ترتدين سترة النجاة فقط لا تخافي واتركي عنقي وسترين كيف ستطفين فوق الماء.
تنفست بعمق وأنا أرتجف من الخوف وهو يحاول إقناعي بذلك، وعندما يأس من اقناعي بالكلام جعلني أواجه خوفي رغما عن أنفي، أبعدني عنه بالقوة وتركني بعيدة عنه لمترين تقريبا وقال لي: هل ترين؟ لم تغرقي! هيا حركي يديك ورجليك واسبحي وتعالي الي.
فتحت عيني.. قدماي كانتا لا تمسان الأرض، كنت أطفو على الماء، كان شعورًا جيدًا، أحببته، أنا في عمق جيد من البحر! أنا هائلة، أنا لا أخاف.
ومن بعدها أصبحت أركض قبل والدي إلى البحر، فخورة لأني تغلبت على البحر أقصد تغلبت على الخوف.. لم يستغرق الخوف معي سوى دقيقة واحدة، كان قد سيطر علي وبعدها واجهته أصبحت أنا المسيطرة عليه.. هذه هي الخدعة يا صديقي، إنها مجرد دقيقة واحدة لا أكثر، كن قويا وواجه.
اضافةتعليق
التعليقات