لخطبة الغدير مكانة خاصة في السنة النبوية الشريفة، نظراً لما حَوَته من مضامين وما رافَقَ الحدث من أجواء خاصة. حيث تميَّزت بيعة الغدير بمفاهيم سامية ومعان عميقة في مقام الولاية للعترة النبوية الطاهرة "عليهم السلام". وبمراسمها الخاصة قبل الخطبة وبعدها، مثل إهداء النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي"عليه السلام" عمامته الخاصة، وأمرهُ المسلمين بتهنئته وبيعته. حيث تجلت بنزول الخطاب الإلهي الخاص بعد بيعة الأمة لعلي عليه السلام: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، وهو خطاب لا مثيل له في الخطابات الإلهية السابقة.
كما تميَّزت بيعة الغدير باهتمام خاص من أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم في كل الأجيال. فقد صعد المنبر أمير المؤمنين عليه السلام في خلافته وطلب من الصحابة أن يؤدوا شهادتهم في بيعة الغدير، ليعرف ذلك المسلمون الذين لم يحضروها.
وكذلك الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) حيث قالت: "ما علمت أن رسـول الله (صلى الله عليه وآله) ترك يوم الغديـر لأحد حجـة ولا لقائل مقالا"، وكذلك بقية الأئمة المعصومين عليهم السلام. وللحفاظ على ذلك التبليغ الإلهي أهتم علماء مذهب أهل البيت" عليهم السلام" برواية هذه الواقعة ونشرها والتأليف فيها بصورة مفصلة، لأنها تمثِّل محور العقيدة بالإمامة، وتجسِّد وفاء الأمة لنبيها فى أهل بيته. حتى أنَّ النبي "صلى الله عليه وآله" أُجب على المسلمين إبلاغ خطاب الغدير إلى غيرهم تطبيقاً؛ لأنه أعظم مصداق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقال: "ألا وإن رأس الأمر بالمعروف أن تنتهوا إلى قولي، وتبلِّغوه من لم يحضر، وتأمروه بقبوله عني وتنتهوه عن مخالفته، فأنه أمرٌ من الله عز وجل ومني. ولا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا مع أمام معصوم". ومن الواضح أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يفرح في كل انتصاراته وفتوحاته كما فرح في يوم الغدير، حيث أمر المسلمين بتهنئة علي (عليه السلام) لمقام الإمامة وقال: "أنَّ الله خصَّني بالنبوة وأهل بيتي بالإمامة،
وطلب" صلى الله عليه وآله" منهم أن يشكروا الله على هذه النعمة حيث أن الله تعالى لم يوكلهم إلى أنفسهم في اختيار خليفة، بل اختار لهم الأصلح بعلمه وألزمهم بالقبول. وأمر النبي "صلى الله عليه وآله" مناديه أن يمشي بين الناس ويكرر عليهم جوهر بيعة الغدير بهذه العبارة: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله".
من هنا تبين أن لبيعة الغدير أهداف ومنها نشر البيعة والولاية لأمير المؤمنين علي "عليه السلام" حيث أمر رسول الله" صلى الله عليه وآله" بنشر الولاية من جيل إلى جيل وبيان أهدافها، والتسلح بعلوم أهل الرسول
"صلى الله عليه وآله" وأهل بيته الأطهار من بعده، وأن يكون هذا التسلح ثقافي معرفي، تسلح بجوهر عقائدي راسخ يقود المجتمع ويوجه خطواته نحو طريق سليم، فالثقافة الإيجابية تعمق الجوهر الإنساني، فتخلق المؤمن الواعي الذي سينتهي بمحبته إلى الرفعة والسمو، كما انتهى عظماء الإنسانية بشعوبهم كرسولنا العظيم محمد "صلى الله عليه وآله" الذي قفز بالعرب والمسلمين والإنسانية جمعاء من حقول الظلام إلى فضاءات النور اللا محدودة، والشيء نفسه ينطبق على العارفين لفكر وعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، لأن الطبقات الأوسع من الشعوب الإسلامية تعاني من قلة الوعي والمغالطات في الغالب، بسبب انتشار الأمية بين صفوف الفقراء، حيث تقف بعض الجهات النفعية عائقاً بينهم وبين العلم والاطلاع والمعرفة، لذلك تسهل عملية تدجينهم لكي لا يشكلوا تهديدا لعروش الحكام المتسلطين على رقاب العباد. ولا ننسى هناك فرقاً مضادة تحاول النيل من المسلمين وفكر أهل البيت بصورة خاصة، من خلال بث المعلومة المغلوطة، وترويج الثقافات المناوئة. من هنا يكون الجهد المطلوب مضاعفا من أجل فضح الدسائس المعادية، حيث أكد سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله الشريف) بهذا الخصوص: "يسعى الأعداء اليوم إلى ترويج الشبهات في المجتمع، ويحاولون سَوق الشباب إلى المفاسد وارتكاب المعاصي" كما أكد على واجب العلماء والمثقفين في فضح تلك المؤامرات حيث قال: "لابد أن يتصدوا لهذه المحاولات، ويقوموا بدقّة وحكمة بردّ الشبهات وفضح أصحابها وأصحاب الباطل، وأن يسعوا إلى نشر معارف أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم ".
أهمية التثقيف للولاية
إنَّ الميزات الضخمة في خطبة الولاية تدل على الأهمية العظيمة للغدير في ثقافة الإسلام، وتثير فينا روح الغيرة على الإسلام، لكي نحافظ على هذا الأصل العقائدي الرباني النبوي، وندافع عنه بكل كياننا. فالتثقيف للولاية الغديرية هو امتداد لولاية الأئمة الأطهار واتباع منهجهم في صيانة الإسلام من الانحراف والزلل. فلابد من الأستفادة من وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة، المتيسرة للجميع أحسن وأفضل استفادة في ثقافة الغدير و تجديد البيعة، إلى البشرية كافة دون حصرها على فئة معينة. كما أنَّ عملية التثقيف تتطلب توفير المناخات المناسبة لتفعيل النهضة الفكرية المطلوبة، فمن دون زيادة سعة الوعي لدى المسلمين وتوسيع آفاق تفكيرهم وتنمية قدراتهم على التعامل مع العلم الحديث فإن الأمر يبقى في غاية الصعوبة، وأن الجهل سيبقى مستشريا كما يجب أن تكون الدعوة للبيعة في حملات تثقيفية منظمة ومتواصلة حتى تؤدي مهامها في تحقيق الأهداف الفكرية الضخمة للبيعة. في محاولة نقلها إلى الآخرين وتربية الجيل الجديد عليها عبر التثقيف العائلي وفي المؤسسات التربوية، وتكون ضمن المناهج العامة لطلاب المدارس والجامعات.
إن بيعة الغدير تعني الالتزام والعهد والوفاء لولاية الأئمة المعصومين الاثني عشر "عليهم السلام" وقد أقرَّ بها جميع المسلمين بحضور النبي (صلى الله عليه وآله). ونشر الحق يحتاج إلى من يؤازره دائما، ويحتاج الفعل والفكر الصحيح إلى الإسناد والتصويب الدائم بمعنى أن يكون هناك تواصل دائم، وأنْ لانستسلم في نشر فكر أهل البيت، و في خدمة القضية الغديرية وايصالها إلى أبعد بقعة في الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات