هاشمية رؤوم مشت على رسلها حول بيت ربها تكبره، تحمده وتهلله، وأذا بمن هو في جوف ثناياها أحس بقربه من العلي الأعلى وضج شوقه لرمق بيت ربه، وإذا بها أخذها الطلق، حائرة، قلقة، فمر إيمانها رافع بيديها ودل لسانها على التوسل بالواحد القهار، قالت بنت الأسياد: اي ربِ إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وإنه بنى البيت العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة إنه إحدى آياتِك ودلائلك، لما يسرت علي ولادتي.
ونشر الإلٰه الستر عليها وتلألأت السماء ناثرة فرح شمسها على الكعبة، وانفتح ظهر البيت فدخلت فاطمة بنت أسد من خلال الشق، والتزق الحائط وغابت الهاشمية عن الأبصار، خائضة مخاضها، زافرة روح بكل اريحية من الجنة.
سر الإلٰه
ورافقت كلمات التعجب افواه اهل مكة وسككها ومخدراتها، فبعد ثلاثة أيام خرجت فاطمة وولدها بين يديها، وقالت: ((معاشر الناس، إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه، وفضلّني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضعٍ لا يجب أن يُعبد الله فيه إلّا اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله، ويسّر عليها ولادة عيسى، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّى تساقط عليها رطباً جنياً.
وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما، وعلى كلّ من مضى قبلي من نساء العالمين، لأنّي ولدت في بيته العتيق، وبقيت فيه ثلاثة أيّام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة، سمّيه علياً، فأنا العليّ الأعلى، وإنّي خلقته من قدرتي، وعزّ جلالي، وقسط عدلي، واشتققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وفوّضت إليه أمري، ووقفته على غامض علمي، وولد في بيتي، وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها، ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمّد رسولي، ووصيّه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه)).
ومرت أيام على ولادته عليه السلام وإذا بقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخفق حٌبا وشوقاً لإبن عمه رغم إنهما يجمعهما سقف واحد، واستأذن النبي (ص) من الهاشمية بأخذ فراش علي (ع) ووضعه جنب فراشه، فكان يناغيه ويداعبه ويهز مهده عند غفوة عينيه، وكان يحمله ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها وفجاجها وكان يلي ما يلي من تربيته .
خلقه الإلٰه هاديه أجمل الخصال، مرتل في وحيه حبه وجلالة قدره، وجعله للنبي باباً ومنهل عذوبة من الوفاء والإخلاص والنصر، شع من جبينه الخضوع والسجود لله ومن روحه تهجدت آيات الله.
أي عظمة تلوح له حين يوهبه الله أسماء كثر؟
فأنه الهاشمي، مولى صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وأخو الوصيين، وأكبر المسلمين، وسراج الماضيين وضوء القائمين، وأفضل القانتين، ولسان رسول رب العالمين، وأول الوصيين من آل ياسين، والمؤيد بجبريل الأمين، والمنصور بميكائيل اعدائه الناصبيين، ومطفئ نيران الموقديين، وأفخر من مشى من قريش اجمعين، وأول من حارب واستجلب، أمير المؤمنين، ووصي نبيه في العالمين، وأميته على المخلوقين، وخليفة مِمن بعث إليها أجمعين، سيد المسلمين والسابقين، وقاتل الناكثين والقاسطين، ومبير المشركين، وشهم من مرام الله على المنافقين، ولسان كلمة العابدين، وناصر دين الله، وولي الله.
قائد الغر المحجلين، الكرار، قالع باب خَيْبَر، المواسي، الظهير، العابد، الزاهد، التقي، النقي، الصادق، الإمام، السيد، الخليفة، حامي الحمى، حامي الجار، أسد الله الغالب، سيد السابقين والصادقين، ويسمونه أهل السماء سمساطيل، وفِي الأرض حمحائيل، وعلى اللوح قنسوم، وعلى القلم منسوم، وعلى العرش معين، وعند رضوان أمين، وعند الحور العين أصب، وفِي صحف إبراهيم خربيل، العبرانية لقياطيس، وبالبسريانية شروحيل، وفِي التوراة إيليا، وفِي الزبور اريا، وفِي الأنجيل بريا، وفِي الصحف حجر العين، وفِي القرآن عليا، وعند النبي ناصراً، وعند المؤمنين السحابة البيضاء، وعند المشركين الموت الأحمر، وعند والده حرب وقيل ظهير، وعند أمه حيدرة وقيل أسد، وعند ظئره ميمون، وعند الله علي. الضرغام علي أبا الحسن والحٌسين.
حلو صفاته
كالشمس والقمر الساري والكوكب الدري، إنه ادم اللون حسن الوجه كالقمر ليلة البدر، ضحوك السن فإن تبسم فمثل اللؤلؤ المنظوم، أزج الحاجبين واسع العينين، الأنزع البطين، عريض الصدر والمنكبين، محض المتن، شئن الكفين وعظيم المشاشين كمشاش السبع الضاري.
إنه ربيب المصطفى، و طينة كفيه، وتوأمه الذي يليه ( ٢٨ سنة)، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى موسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام.
ولي الله
نادٍ علي المظهر العجائب تجده عوناً لك في النوائب، كل هم وغم سينجلي بولايتك، ياعلي ياعلي ياعلي..
خُطت له القرون أقوال السماء وأفعال البحار، شهد حياة ابن عمه رسول الله (ص) فكان له اول فدائي، اختاره الله ان يكون زوج فاطم ومنه تفوح ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على العرش معين وعلى الصراط شفيع وعلى الحوض أمين وفِي الدنيا لنا فارج الشدات والأنين.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2018-08-22