قبل ان نخوض البحث عن الخوف واعراضه يجب ان نعرف الخوف، وهو خوفان خوف سوي، وخوف مرضي .
وبعض الخوف فطرة لحفظ النوع البشرية، ووظيفة لدفع الشر طبيعية.
وهنا نتوقف ونسأل ما الخوف؟
وما مظاهره؟
ومتى يكون الخوف سويا؟
ومتى يكون مرضيا؟
وكيف يعالج؟
الفرق بين الخوف والجبن
وفق دراسة اجراها علماء النفس يشيرون الى ان هناك فرق بين الخوف والجبن لهذا يتوجب ان نفرق فيما بينهما.
فالخوف امر انساني سوي، والذي لا يخاف اطلاقا مخلوق غير موجود في عالمنا الحي ولو فرضنا -جدلا – وجوده لما استطاع ان يبقى، ذلك بأن الخوف متصل بحفظ البقاء. والمخلوق انسانا كان او حيوانا الذي لايخاف يصعب ان يبقى.
اما الجبن فرذيلة قد تكون على صلة بالخوف ولكنها دون شك امر مرضي من جهة، وعلى صلة بالاخلاق والمفاهيم الاخلاقية من جهة اخرى.
اعراض الخوف في الجسد وفي النفس
اذن ما الخوف؟
وكيف يحدث؟
في الجواب عن هذين السؤالين لا بد من ان نقرر ان الخوف انفعال، وانه على صلة بالعقل (ولاسيما الادراك) وبالجسد فانت لا تخاف الا اذا ادركت وجود خطر يتهدد بقاءك، والذي لايدرك وجود خطر يتهدد بقاءه، اما عن جهل او عن غفلة او عدم انتباه، لايخاف.
وانت حين تخاف تضطرب، وهذا الاضطراب يشمل عقلك وجسدك بمعنى ان تفكيرك، ادراكاتك، احكامك، محاكماتك كلها تضطرب، كما ان جسدك تضطرب وظائفه الظاهرة والباطنة، وهكذا فالخائف يرتجف ويصفر ويهرب، ولكن مايحدث في داخل عضويته اهم، ان وظائفه التنفسية والهضمية والدموية، حتى منسوب سكر الدم، تضطرب جميعها، ولهذا كله اسباب ومعان.
لهذا سنخوض بالنظريات التي تعلل الانفعال، بما في ذلك الخوف، ونتشدد في اهمية هذا او ذاك من مظاهر هذا الاضطراب، فإن التغيرات الجسدية جزء لا يتجزأ من الخوف، فاصفرار الوجه هو دليل تقبض الاوعية الدموية اما اللهاث او السكون والاستماتة هو مظهر اضطراب التنفس.
والهروب هو دليل وجود مادة الادرنالين التي يفرزها الكظران في الدم .وغيرها من الامور كلها اجزاء اصلية من الخوف.
وهكذا لخص علماء النفس بأن كل ما يهدد بقائنا حقيقيا او خياليا، يخيفنا. ومن هنا كانت الامور المفاجئة مخيفة وكذلك المجهول والظلام والالام او (توقعها) والمكائد والامكنة المرتفعة او غيرها مما قد يرتبط بحفظ البقاء ويهدده.
ومن العجب ان الخوف قد يدفع الانسان والحيوان الى الهرب وذلك ما يحدث في معظم الاحيان ولكنه قد يدفعه الى الاستكانة والتماوت، بل قد يؤدي احيانا الى الموت فعلا.
ويتوقف الامر في هذا لا على طبيعة الموقف ايضا فالاخطار المفاجئة العظيمة كثيرا ما تشل حركة الانسان وتدفعه الى سكون قريب من سكون الموت.
القلق اشد انواع الخوف
اكد الاخصائيون ان اشد انواع الخوف ايلاما هو القلق.
والقلق هو الانتظار المؤلم لما لا يمكن تجنبه (او ما يعتقد انه من غير الممكن تجنبه).
على ان نفهم من (ما لا يمكن تجنبه) لا شرا اكيدا ولكن شرا لا يتعلق تجنبه بنا، شرا يستحيل الهروب منه.
فإنه حين لايكون ثمة شيء يستطيع الانسان القيام به لتجنب الامر المخيف يتحول الخوف الى قلق.
ويعد القلق عذاب مقيم وذلك لانعدام امكانية العمل على تجنب المخيف، ولاضطرار الخائف للانتظار.
ثم ان القلق قد يكون لاسباب حقيقية كما قد يكون لاسباب وهمية.
واذا كان حقا ان الحياة البشرية، وما تفرضه من مواقف واحوال، لا تستطيع ان تتجنب القلق من حين الى حين، وهو قلق يمكن ان يضبطه العقل وتعد له الروية وحسن التفكير، فإنه حق ايضا ان بعض الناس يقلقون لامور وهمية تماما ويتخيلون امراضا واخطارا لا وجود لها في الواقع ثم يقلقون منها، وهم لذلك مرضى يجب علاجهم والا انتهت احوالهم الى ما لا يسرهم ويسر محبيهم.
مخاوف الاطفال
ان الطفل يولد مزودا بقدرة كامنة على الانفعال عامة، بما في ذلك الخوف، لكن نمو الفرد انفعاليا يتوقف قطعا على التفاعل الذي يتم بين عمليات النضج، الجسدي والعقلي وعمليات التعلم من المحيط.
ولقد كان علماء النفس الاوائل يعتقدون ان الطفل يولد مزودا بغريزة الخوف، غير ان علماء النفس المعاصرين اميل الى الاعتقاد بأن الطفل يولد بقدرة عامة كامنة وغير متميزة على الانفعال عامة، وان هذا التميز في الانفعالات انما يتم عن طريق النمو المردود الى تفاعل الطفل، جسدا وعقلا، مع المحيط، اي تفاعل وراثة الطفل بعوامل البيئة.
والدراسات السيكلوجية الحديثة اميل الى الاعتقاد بأن الخوف لايظهر عند الطفل قبل الشهر السادس من عمره، وحتى في هذه السن لا يكون الخوف واضحا ولا محدودا، وهو انما يحدث بالنسبة لبعض المثيرات المادية القوية مثل الاصوات العالية المفاجئة واضاعة التوازن واشياء من هذا القبيل.
لكن الطفل لا يكاد يتقدم به العمر ويتصل ببيئته، ومن فيها وما فيها، حتى تتوضح مخاوفه وتتحدد.
وحتى في هذا الحال فان خوف الطفل يكون موسوما دوما باثار الحضارة التي نشأ واثارت خبرته الفردية.
ويؤكد علماء النفس على ان الانماط الانفعالية للفرد تتغير باستمرار منذ الطفولة الباكرة، وحتى بعد سن الرشد، وذلك بتأثر من معارفه المكتسبة، وما يهتم به من جديد الامور، ومن مثله المتجددة.
ومعنى هذا ان مخاوف الطفل تتكون اثناء طفولته الباكرة نتيجة لتعامله مع بيئته، وتأثره بالنمط الحضاري لهذه البيئة وما فيها من مفاهيم وعادات واساطير ومواقف.
ولكن الطفل بالرغم من ذلك كله فردي الى حد كبير في مخاوفه، وقادر على النظر فيها والسيطرة عليها، كلها او بعضها.
فهنا يجب على الاهل بوجوب الاقلاع عن استثارة خيال الطفل بمخاوف وهمية لا لزوم لها، من الممكن ن تؤثر على الطفل جسديا ونفسيا، اقرب الى استشعاره بالخوف.
الهلع
يستشعر المراهق خوفا هيجانيا قويا يسميه علماء النفس بالهلع وقد يسيطر هذا الهلع على سلوكه ومواقفه ويستمر حتى سن الرشد .
فالمراهقون يعانون مخاوف عدة، فقد يثابر المراهق على معاناة المخاوف التي كان قد نماها في سنيه الاولى، وان كان من الشائع ان تكون مخاوف المراهق وقلقه على صلة بامور اخرى جديدة، مثل رفاقه، نشاطه المدرسي، ونضاله من اجل بلوغ سن الرشد والتواصل مع الجنس الاخر وغير ذلك.
ويعد الهلع كما وصفه الاخصائيون هو خوف مبالغ فيه او مرض يستشعره الانسان بالنسبة لامر من الامور او حال من الاحوال، وهو بهذا المعنى موقف هيجاني مستمر يتخذه الهالع ازاء امر كان في الماضي قد سبب له خوفا شديدا. او يكون من اعراض مرض نفسي.
وقد يتخذ الهلع شكل الخوف من الاماكن العالية، او الغرف المغلقة، او الظلام، او الوسخ، او الاضواء الشديدة، او منظر الدم، او بعض الحيوانات، والالم والسم، او حتى الماء. وقد اطلق العلماء على كل هلع اسما خاصا .
وقد يرجع الهلع الى خبرة انفعالية طفولية كمثل الخوف من الظلام، كما قد يكون الهالع على علم بأن خوفه غير سوي، ولكنه لا يستطيع مقاومته.
وعلى هذا فالهلع قد يصبح صفة دائمة من صفات الطبع لا يستطيع الهالع التخلص منها.
العلاج
ان الخوف كما سبق ان اشرنا له اصل من الفطرة البشرية، وله وظيفة في حفظ بقاء الانسان.
اما عن مخاوف الطفل فيؤكد علماء النفس ان الانطباع الاول لتعليمه للطفل يزرع بداخله الثقة فلا يحتاج الطفل علاجا لمخاوفه المشروعة، فليخف الطفل الله، وليخف ايذاء الناس، وليخف ارتكاب الاثم، وليكن خوفه طبيعيا سويا لا مبالغة فيه ولا تهاون.
اما المخاوف المرضية، هي التي تنغص العيش وتعيق عملية التكيف وتحول بين الانسان والحياة العادية السوية، فقد يفيد احيانا:
العلاج الجسدي: ذلك بأن صاحب البنية الضعيفة والاعصاب الهشة والمريض اقرب الى الخوف من غيرهم من الاسوياء.
وقد يكون العلاج حينئذ دواءا مقويا واستعادة للصحة والنظرة المتفائلة للحياة.
على اننا نعلم ان الكثيرين من الاصحاء جسديا يعانون مخاوف نفسية وانواعا من الهلع لابد لها من علاج.
وحينئذ قد يكون العلاج :
-ضبط الخيال: ذلك الخوف يتحكم في الانسان بواسطة الخيال والوهم، ان الوهم هو الذي يخضعنا لتأثير الاشباح والطيوف والكوابيس، ولذلك كان من واجب المربي ان يعوّد الطفل ضبط خياله دون القضاء عليه.
-العادة: والعادة وسيلة هامة من وسائل القضاء على المخاوف، ذلك بأن تعويد الطفل السير في الظلام، ومواجهة الامور التي تخيفه، هي الطريقة الوحيدة التي تخلصه من مخاوفه. فالعادة تذهب الرهبة.
بيد انه لا بد من الكثير من اللباقة والكياسة في التعويد لا سيما بعد حصول الخوف.
إن الطفل الذي يخاف الظلام والذي يراد تعويده على السير فيه لا بد له من التدريج في مواجهة الظلام، كأن يؤخذ بيده ولمدة قصيرة وفي امكنة مألوفة، ثم يتدرج معه وبكثير من الصبر والاناة والحذر حتى يتخلص من خوفه.
والا فقد يشتد الخوف ويتزايد الهلع من زواله او خفته.
-الايحاء: ولا سيما الايحاء الذاتي وهو من اهم انواع العلاج، ان لم يكن اهمها اطلاقا، ويجب اللجوء اليه دونما تردد.
وينحصر الايحاء الذاتي في ان يكرر الخائف القول لنفسه بأنه لا يخاف، وانه شجاع، وان يتصرف تصرف الشجعان ويتخذ موقفهم واوضاعهم الجسدية والنفسية على حد سواء.
وفي حالة الاطفال فإن على المربي ان يحملهم على القول بأنهم شجعان لأنفسهم ولغيرهم وانهم لا يهابون موضوع خوفهم.
وقد يساعدهم الراشدون مساعدة كبرى بأن يعلنوا بأنهم (اي الاطفال شجعان لايخافون) مثيرين بذلك كبريائهم وعزة نفسهم.
-المعرفة: وتبقى وسيلة اساسية وهامة وهي تعريف الطفل بموضوع خوفه ومساعدته على ان يراه على حقيقته.
ولا شك في ان حسن المحاكمة وصحة الادراك، واللجوء الى العالم، وتعويد الطفل ضبط النفس، اسس هامة لكل وقاية وكل علاج.
المصدر: مجلة العربي، بتصرف
اضافةتعليق
التعليقات