اليأس من الحياة شعور ينتاب المرء عندما تحل به المحن، وتواجهه المصاعب، وهو أول أعراض الموت وأنت على قيد الحياة، وهو مرض خطير إذا أصابنا وتمكن منا، فهو قتل لنفوسنا ويقتل فينا الرغبة في الحياة، ومع هذا فنحن وحدنا نستطيع أن نشفي قلوبنا من هذا المرض رغم حدته، ولعله المرض الوحيد الذي لا نحتاج فيه إلى طبيب يخلصنا منه، ففي أيدينا وحدنا وفي مكامن نفوسنا الخلاص من الألم الذي يحتوينا، كلما تعرضنا لمصائب الحياة ومشاكلها.
كان يتوارى من نظرات الناس له التي كانت تتفجر حزنا لحاله، اعتراه اليأس حتى صار يتمنى الموت الاف المرات وفي كل صباح يعيش تلك اللحظات مع نفسه وخالقه؛ كيف له أن يتركه دون إن يزهق روحه لتعود إلية بدل ان يبقى (معاق).
وراح سرا يمرر أناملها ليمسح برفق ذرات دمعه الخفي، فقد كانت كلمات الشفقة التي يطلقها المقربون تشعره بالعجز و احتل اليأس من كيانه جزءا كبيرا.
عاش يزن بين جدران حزنه، في واقعه الذي كان لابد أن يستسلم له او يصارع من اجل المضي قدما.
لم يكن يدرك كيف استطاع من قتل اليأس لينهض من رقدته ويغادر حجرته الصغيرة بعد شهور مضت على الحادث الذي افقده ساقه.
فعمد بالبحث عن عمل يشغل فراغه وينسيه ما قاساه ليس بخسارة قدمة فقط بل حتى ضياع حقه بمن تسبب له بالحادث.
رفض الكثير تشغيله لعدم قدرته على حمل الأشياء، فكر كثيرا بما يمكن أن يقدمه فهو يملك مواهب متعددة، وأخيرا توصل إلى عمل يناسب وضعه الجديد في مكتبة صغيرة في آخر رواق السوق المجاور إلى بيته الصغير في احد الأحياء الشعبية.
عمل بجد حتى تناسى انه معاق ووجد الالفة والمحبة له من الناس.
لم يتوقف طموح يزن بين جدران المكتبة الصغيرة بل نفض كل ذرات اليأس وفكر بأن يتخلص من الكرسي المتحرك بعكاز، ثم فكر بأن يستبدل العكاز بطرف صناعي .
راح يزن يعمل بجد حتى تمكن من توسيع المكتبة الصغيرة وتطويرها اكثر، وادّخر المال الوافر ونال مبتغاه وحصل عل الطرف الصناعي الذي فرح به كما يفرح الطفل الصغير بلعبته الجديدة.
لقد جعل الله نورا على الدرب ليزن لينير خطاه ويغير حياته ويحولها من صحراء جرداء إلى جنائن خضراء.
واصل يزن حياته حتى وقعت عيناه على ابنة الجيران التي كانت تزور مكتبته الصغيرة بين الحين والاخر لاقتناء بعض الحاجيات.
كان يتوجس خوفا من رفضها او رفض اسرتها اذا طلبها زوجة لكونه معاقا.
لكنه اعتاد ان يتحدى الخوف وان لاييأس حتى وان كانت سترفضه، فجمع شتات نفسه وذهب إلى والدها الذي انفرجت اساريره حينما اعلمه يزن بمبتغاه.
فسمع والدها يقول: أين أسرتك، أما يجدر بهم أن يحضروا خطبة ولدهم؟
اعتنق يزن الحياة بعد يأس كاد يحوله إلى إنسان فاشل وواصل حياته دون ان يتطلع إلى ماضيه وما قاساه وتناسى حتى انه معاق.
إن كل إنسان يستطيع أن يتغير، وان يبدأ حياته من جديد، مهما كانت قسوة الحياة عليه، بشرط أن تكون لديه الرغبة في هذا التغيير، وبشرط أن يبذل كل ما في وسعه ليضع قدمه على بداية طريق الحياة الجديدة، الذي اختارها لنفسه، فليس هناك شيئا يقتل النفس ويشل حركتها، أقوى وأعظم من الاستسلام للقدر، واليأس من الحياة ذاتها.
إن كل مشكلة تصادفنا في حياتنا تحمل بين طياتها بذور الحل الذي نبحث عنه، ولكن قد يحدث أن تكون هذه البذور أحيانا صغيرة لا تكاد ترى بالعين المجردة، أو قد تكون قليلة متناثرة هنا وهناك، ونحن في الحالتين، لابد لنا من أن نضع على أعيننا منظارا مكبرا يساعدنا على رؤيتها، وان يكون لدينا الصبر الذي سوف نحتاج إليه حتما، ونحن نحاول أن نجمع تلك البذور المتفرقة لكي نعيد زرعها في الأرض من جديد، ثم ننتظر بعد هذا ثمر مازرعناه بأيدينا.
فالحياة لا تنتهي عند أول مشكلة يصادفها المرء وهو ماضٍ في دروبها، ولو كان الأمر كذلك لخلت الأرض من كل ما فيها وما عليها من حياة.
اضافةتعليق
التعليقات