• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

مشبعٌ بالسببية

هدى المفرجي / الخميس 24 نيسان 2025 / تطوير / 415
شارك الموضوع :

قال الإمام الصادق (عليه السلام): "ما مِن شيءٍ إلا وله كيلٌ أو وزنٌ"

بقلبٍ يخضبه الوجد، وروحٍ تتكسر على أعتاب الغبار، وقفتُ في ساحة الإيمان أستشعر غيابًا فاحشًا. الهواء هنا لا يتحرك إلا كخفقان جناح فراشة تحتضر، وكل ذرة فيه تهمس في أذني: "العالَم محاكٌ بخيوط السببية الإلهية".

فتلك الكلمات التي رددتها جدتي كلما وقع حدثٌ جلل: "لله في ذلك الأمر عِلمٌ وسببٌ وإرادة"، كأنها كانت تمسح بيدها على جراحنا، وتُذكرنا بأن الخسارة ليست نهاية، بل مفتاحٌ لفلكٍ لا نعرف كيف يُفتح. وها أنا اليوم أتساءل بفمٍ ممتلئ بالفراغ: هل الغبار الذي تطؤه قدمي غبارٌ عادي، أم هو بقايا نجومٍ انفجرت قبل مليارات السنين؟ وهل يحمل في ذراته سجلًّا كاملًا عن كيف صار الكائن البشري؟ وعن الأسباب الخفية التي جعلتني أقف هنا، كما جعلت النجوم تنفجر هناك؟

السببية: القوة الخارقة التي تميز الإنسان

كل شيءٍ في هذا الكون يحدث لسبب، فدموعي التي تقاوم جفني وتسقط محرقةً وجنتي، ما كانت لتنزل دون سبب: ربما ذكرى طواها النسيان، أو قُربٌ من الله يذيب الحُجب.

فكل فعلٍ ينطوي على حكمة، وهذا هو الفهم السببي الذي يجعلنا بشراً، فهو تلك القوة العظمى التي تمنحنا القدرة على رؤية العالم ليس كسلسلة أحداثٍ عشوائية، بل كنسيجٍ مترابطٍ بخيوط السبب والنتيجة. فنحن الوحيدين الذين نسأل: لماذا؟ كيف؟ ماذا لو؟ وهذا ما يؤكد تفرد الإنسان بالعقل، وهذا التفرد له غايةٌ تجعلك تدرك أن الابتلاءات لها حكم، كما قال الإمام الباقر (عليه السلام): «لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر، لتمنى أن يُقرض بالمقاريض».

فالفهم السببي ليس مجرد أداةٍ علمية، بل هو عبادةٌ عقلية تقود إلى الله، فكلما تعمق الإنسان في تحليل الأسباب، اقترب من إدراك حكمة الخالق، وازدادت قدرته على تغيير العالم، ليس بقوته الذاتية، بل بتسخير النعم الإلهية كما أراد الله، في إشارةٍ بآياته إلى: ﴿أفلا يعقلون؟ أفلا يتفكرون؟﴾ ليُذكرنا بأن أعظم قوة خارقة نمتلكها هي "العقل السببي" الذي وهبنا إياه لنسير به نحو الحق.

وهنا ندرك أن السببية هي أساس كل "لأن" وكل "ربما"، وهي حياتنا اليومية، حيث نعيش السببية دون أن ننتبه إليها. نسمع صوتًا فنلتفت بحثًا عن مصدره، نرى السحب السوداء فنحمل المظلة، نلمس النار فنعرف أن الألم سَيلي اللمسة. هذه العلاقات السببية ليست مجرد أفكار، بل هي جزءٌ من إدراكنا للواقع نفسه. فالعالَم بالنسبة لنا ليس مجموعة أحداثٍ منفصلة، بل آلةٌ معقدةٌ تتحرك بتدبير. لكن، هل هذا الفهم بديهي؟

بالطبع لا، فمعظم الكائنات الحية لا ترى العالم كما نراه. فالحيوانات تتفاعل مع الأسباب المباشرة، لكنها لا تتساءل عن "لماذا" الأشياء، ولا تبحث عن الحكمة الكامنة وراءها، بينما نحن وحدنا من نغوص في هذا العمق، ونحن وحدنا من نستطيع تحويل السببية إلى قوة نُغير بها العالم. لكن يبقى السؤال الأهم: ماذا عن الأسباب التي لا نستطيع فهمها؟ ماذا عن الألم الذي يبدو عبثيًا؟ أو الفراق الذي يظهر بلا معنى؟

هنا تتدخل الحكمة الإلهية لتذكرنا بأن الأسباب قد تخفى علينا، لكنها لا تنعدم، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): "ما مِن شيءٍ إلا وله كيلٌ أو وزنٌ"، حتى الدمع الذي يسقط بلا قصد، له حكمةٌ لا ندركها. والإمام علي (عليه السلام) يذكرنا: "ما جفّت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب". فكل شيءٍ مرتبطٌ بسلسلةٍ من الأسباب، لكن أعلى درجات الإيمان هي أن نرى الأسباب، ثم نتجاوزها إلى "المُسبّب".

وفي النهاية، ماذا تعتقد؟ هل نحن من نبحث عن الأسباب، أم الأسباب هي التي تجذبنا؟

ببساطة، هو كمثل سؤالٍ نُجيبه بسؤالٍ آخر: هل أنا من اختار أن أقف في ساحة الإيمان، أم أن السببية الإلهية هي التي جذبتني إليها، بينما كل ذرةٍ حولي تُناجيني بأنني لست عابرًا في هذا الكون، بل خيطٌ في نسيجه المحكم؟ خطواتي، كلماتي، صمتي، وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها، كلها مشبعةٌ بالسببية.

وربما تكون قراءتك لهذه الكلمات يومًا ما سببًا لتحولٍ فيك، كما كانت كتابتي لها تحوّلًا فيّ. وهكذا، وأنا أغادر صفحتي التي ملأتها بالتساؤلات، ألتفتُ ورائي لأرى الغبار الذي مشيتُ عليه يلمع تحت ضوء الشمس كذرات ذهب. فربما هو غبار نجومٍ ميتة، أو ربما مجرد تراب الأرض العادي، لكني أعلم الآن أن الفرق بينهما ليس في ماهيته، بل في القصة التي يحملها، والأسباب التي جعلته هنا، في طريقي، في هذه اللحظة بالذات.

وسأتلقى الإجابة بشكلٍ من الأشكال، فالكون لا يصمت أبدًا، إنه يهمس بأسبابٍ خفيةٍ في كل خطوة، في كل دمعٍ يسقط، في كل فرحٍ يلمع فجأة، ويشير إلى أن السؤال ليس: "لماذا أنا هنا؟"، بل: "ما الذي سأفعله بهذا هنا؟"، لأن الأسباب قد تكون قَدَرًا، لكن ردود أفعالنا هي اختيار.

والإيمان الحقيقي ليس أن تعرف كل الأجوبة، بل أن تسير بثقة حتى في الظلام، لأنك تعلم أن كل ظلمة لها فجرها، وكل سؤالٍ له حكمة، وكل غبارٍ قد يكون في الحقيقة نجمًا ينتظر أن يُولد من جديد.

فهل نغادر الساحة اليوم وقد فهمنا كل شيء؟

بالطبع لا. لكننا نغادر بقلوبٍ أكثر اطمئنانًا، لأننا لو نظرنا جيدًا، لرأينا أن كل خيطٍ في نسيج الوجود ممسوكٌ بيدٍ لا تخطئ ولا تظلم. تُمسكُ بنا حين نسقط في الظلام، كما تُقلب الغيمَ في السماء، وتُنزِل المطرَ قطرةً قطرةً على الأرض العطشى، وتنسجُ لي حلمي قبل أن أنام، وتُعدّل أنفاسي وأنا أجهلُ كيف أتنفس، هي سترتب لي يومي وأمسي وغدي بحبكةٍ لو فكرت كيف أحيكها، لما استطعت. فهو تذكيرٌ من الخالق البارئ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾، تذكيرٌ بأن الأسباب لا تعمل بمعزلٍ عن الإرادة الإلهية.

الايمان
العلم
الانسان
الكون
التفكير
الوعي
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    الاختيار السليم وعلاقته بالتوافق الزواجي

    آخر القراءات

    كيف يؤثر النشاط البدني في تقليل خطر سرطان الثدي؟

    النشر : السبت 10 ايلول 2022
    اخر قراءة : منذ ثانية

    حصاد 2017: زيادة حالات الطلاق في الوطن العربي

    النشر : الأثنين 15 كانون الثاني 2018
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    كائناتٍ تنتفض

    النشر : الثلاثاء 02 حزيران 2020
    اخر قراءة : منذ 20 ثانية

    اصدار جديد عن السيدة الزهراء في رؤية معاصرة جديدة

    النشر : الأحد 31 آيار 2020
    اخر قراءة : منذ 26 ثانية

    هل أصبحت صلة الارحام موضة قديمة امام التواصل التكنولوجي

    النشر : الأثنين 31 تموز 2017
    اخر قراءة : منذ 43 ثانية

    مطهر اليدين قد يعطيك شعوراً زائفاً بالأمان

    النشر : السبت 26 تشرين الاول 2019
    اخر قراءة : منذ 47 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 817 مشاهدات

    شوكولاتة صُنعت في دول غربية!

    • 387 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 328 مشاهدات

    أنفاس الرضا

    • 314 مشاهدات

    بماذا يؤمن أتباع "الكارما" وما علاقة الكون والأشرار فيه؟

    • 304 مشاهدات

    الإمام الرضا: حارس العقيدة ومجدد الوعي في وجه الانحراف الفكري

    • 296 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2300 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1322 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1299 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1173 مشاهدات

    إنتاج الرقائق.. بترول الحرب العالمية الثالثة

    • 829 مشاهدات

    الحسد في كلام الإمام الصادق

    • 819 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا
    • منذ 5 ساعة
    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟
    • منذ 5 ساعة
    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث
    • منذ 5 ساعة
    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك
    • منذ 5 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة