ها قد عاودت الرحيل كعادتها في كل ليلة... وستتركني وحيدة اسامر بقايا خيوط الظلام، الى ان يحين الفجر الجديد الذي اترقبه كل يوم بلهفة اكثر من قبلها عله يخبئ لي شيئا من الامل...
ودعتني ورحلت من سماء نافذتي وكأن بريقها يخبرني بانها ستعاود الظهور في الليلة التالية.. لكن قلبي يخاف الوداع... فقد ذقت من قبل وداع فيه اللاعودة... برقت امام ناظري ورحلت وكأنها تخبرني بأنها تعرفني جيدا وتعرف انني صاحبة ذلك الفستان الأبيض بنجومه المتناثرة الذي حُرمت من ارتدائه منذ سنوات مضت... اشعر بألارتياح والفرح ليلا... اراقب النجوم ... اروي للخفافيش المتنقلة بين أوراق الأشجار البعيدة حكاياتي القديمة اكلمها عن امنياتي واحلامي السابقة... فينقضي الليل وانا أتامل الغد عله يخبأ لي نفحة من الامل.
وابتدأ يوم جديد بفطور صباحي يفتقر للعديد من الاصناف... اخذت الممرضة تتكلم معي كعادتها بنبرة حادة طالبة مني عدم الاعتراض على ما تقول او تأمر وان اتناول افطاري بسرعة ومن دون اعتراض او تذمر.. ثم اعطتني العلاج .. رتبت حاجياتي المبعثرة بسبب استيقاظي طوال الليل انصرفت موصدة الباب خلفها...
انها بداية يومي الجديد لا شيء من التغيير... سوى صرخات المرضى التي تعتلي يوما وتنخفض في يوم اخر.. من دون ادنى استفسار من أي شخص فهذه مستشفى الامراض العقلية.. وكل شيء فيها متوقع...
ابتدأت استعد لفترة ما بعد الظهيرة رتبت نفسي وكأني في لقاء مع خطيبي... اسدلت شعري كما يُحب.. ووضعت مساحيق التجميل ذات اللون الترابي التي كان يفضلها لأنها تبرز ملامحي.. ارتديت وشاحا كان قد احضره لي عندما سافر الى زيارة بيت الله الحرام... لكن في هذه الاثناء ابتدأت اشعر بالدوار واخذ نفسي يضيق شيئا فشيئا، وابتدأت الذكريات تتكالب علي من كل حدب وصوب... تذكرت انني لست خارجة الى لقاءه بل سأخرج لأجالس من فقدو عقلهم مثلي.. عادت لي حالة الهستيريا من جديد وابتدأت بالصراخ ومزقت ما كنت ارتديه، واخذت انهال ضربا على نفسي من دون ان اشعر باني بذلك افعل شيئا مخالفا او معيبا.. وما بعد ذلك لم اتذكر ماحدث او يدور في بالي بشكل مشوش لكن دائما بعد ان اعود الى رشدي واستعيد هدوئي يخبرني الطبيب النفسي بما فعلت... ولا يسعني حينها سوى البكاء..
اعذروني بسبب ما افعل... فقلبي ممتلأ بالخوف والوحدة والالم والآهات.. فمن كان سيصبح زوجي قتل امام ناظري في يوم كانت شمسه دافئة كدفئ منزلنا الذي حلمنا ان نسكن به... قتل امام عيني، برصاصة غدر تخللت قلبه الذي اعتصر الما عندما شاهد عيناي مغرورقتان بدموع الفراق، وهو مرمي بين احضاني كعود ياس جف من البرد.
لم يسعني حينها ان اقدم له أي شيء... فقد تيبس فيّ كل شيء حتى مشاعري أصبحت متيبسة كخشبة صلدة... انتهت حياته بعد ثواني من اطلاق تلك الرصاصة.. وانتهت حياتي معه.. وكأول مشروع نحو النهاية هو وجودي في مستشفى الامراض العقلية.
انها السنة الخامسة من استشهاد خطيبي "علي" انقضت الأيام العصيبة... وابتدأت حالتي بالسير نحو الاستقرار النسبي لكن ليس تماما، تراودني دائما كوابيس عن تلك اللحظة.. اشعر بأني اعيشها كل يوم... أرى خطيبي في المنام اعاتبه لتركه لي وحيدة وبائسة... يخبرني بانه رحل شهيدا وسيلتقي بي يوما ما في مكان آمن خالي من الطائفية ومن القتل على الاسم والهوية.
اضافةتعليق
التعليقات