تأتي المرحلة الجامعية بعد مرحلة دراسية طويلة تمتد على مدار إثني عشر عاماً وأحياناً أكثر من ذلك يكون فيها الإنسان طوع نظام أكبر يخطط له حياته بداية من طريقة ملبسه وقواعد سلوكه وأصدقائه إلى أفكاره ومشاعره التي يتعلم مع الوقت أن يذللها خدمة للنظام.
ثم تأتي الجامعة حيث تمثل عالماً أرحب وأكثر تنوعاً، فيها أساتذة وطلاب من كل الاتجاهات الفكرية والمواقع الجغرافية والخلفيات العائلية، شباباً وفتياتٍ أكثر تعبيراً عن ذواتهم، ولا يحكمهم قواعد غير قواعد اختاروها لأنفسهم، بالإضافة إلى مناهج غير محددة كما المدرسة، وأساتذة لا يعنون إلا بعرض مفردات المنهج مع ترك المساحة للطالب للتعلم والتصرف وفق قواعدهم هم.
يقف معظم الشباب في حيرة أمام هذه التغيرات الكبيرة، لا يعرفون ماذا يفعلون، وأي اتجاه يسلكون، وعلى ماذا يركزون، هل هي مباهج هذه الحياة الجديدة؟ هل هم الأصدقاء؟ هل هي الدراسة التي لا يستطيعون مسك الخيط الأول منها؟ وبما أني مررت بالحياة الجامعية مرتين، فأستطيع القول أن لدي خبرة لا بأس بها في هذا المجال، ولذا هذه بعض اقتراحاتي.
- كن لطيفاً ومهذباً:
تقدم القوة في وسائل الإعلام والاتصال على أنها سلاطة اللسان وفجاجة الفعل، لكن إن كنتَ تعيش معنا في هذا العالم فدعني أؤكد لك أن اللطف والتهذيب قوة لا يستهان بها هنا، والصوت العالي يتم كتمه بعد قليل! لا أحد يتحمل التعامل مع الضوضاء طويلاً.
تحلى بالتهذيب واللطف تحصل على مثله، هذا العالم فيه ما يكفي من القبح، فاختر الجمال الباقي، ولوّن العالم بصفاء وطهر قلبك.
- كن منفتحاً على تجارب الآخرين:
لا تكن صارماً تجاه الفرص الجديدة والناس الجديدة، سيروقك قضاء الوقت وأنت تكتشف نفسك الأخرى في عوالم لم تخطر على بالك، لا تتسرع في الحكم وأنت لا تمتلك قاعدة بيانات تمكنك من تكوين أي تصور، كل ما لديك في بداية حياتك الجامعية هو شخصيات آخرين وقد تلبستها في فترة نشأتك، حان الآن موعد تكوين شخصيتك الخاصة بالخوض بكل التجارب الغنية والتعرف على أولئك المختلفين عنك.
- حافظ على حدودك وحدود الآخرين:
كل شخص يمر في حياتك الجامعية له مقامه العلمي والإنساني، لا يستحسن أن تعامل الجميع كصديق من أيام الروضة، لا تتجاوز معللاً ذلك بخلق علاقة حميمة بينك وبين كل من تراه.
هناك أشخاص سيكونون مقربين جداً، وهناك أشخاص ستقدرهم وتحترمهم مع الحفاظ على مسافة، وهناك أشخاص لا يجدر بك أن تقترب منهم، واحرص أن تكون حدودك واضحة حتى لا يقتربوا منك أيضاً، العالم ليس وردياً.
- اعتز بقيمك:
حتى لو كنت في جامعة فيها من كل الأعراق والديانات ومختلف الطبقات الاجتماعية لا تنس حقيقتك، ما هي قيمك؟ بماذا تؤمن؟ وماذا يمثل لك ذلك؟ لا تخجل من ملابسك، بيتك، لهجتك، وأفكارك، ولا تدع الآخرين يحكمون عليك، اسمح بالنقاش وانفتح على الآراء الأخرى لتصحيح ذاتك، لكن لا تنصاع إلى أي همسة من الهمسات دون فحصها ووزنها بميزان مرجعياتك الخاصة.
- لا تعتزل الحياة الاجتماعية:
بداية الجامعة ليست نهاية لحياتك الاجتماعية خارجها، ما زال لديك أهل وأقارب وجيران وأصدقاء، لم يهاجروا إلى المريخ بعد، لطفاً ذكر نفسك أنك أيضاً ما زلت معنا على كوكب الأرض، لذا شارك الآخرين أفراحهم وأحزانهم، وكن بشرياً طبيعياً غير متمركزاً عند نفسه، ستحقق درجات عالية ولن تفقد درجات بعدد التحيات التي ستتبادلها مع الأقرباء، دعني أؤكد لك ذلك.
- كوّن علاقات طيبة مع الآخرين:
إنها أربعة سنوات ليست بقصيرة أبداً، ستلتقي بها بالكثير من الناس أساتذةً وطلاباً، لا تنزوي بعيداً عن الدعم والإرشاد الذي بإمكان هذه العلاقات تزويدك بها، ستتمكن من إيجاد ذاتك الحقيقية والتعبير عنها مع أناس متنوعون ومتخلفون عنك فكراً وأسلوباً، الجامعة فترة تمهيدية لما بعدها من عالم مهني، كل من تلتقيه وكل ما يقال لك سيكون لك عوناً كبيراً لاحقاً خيره وشره.
- لا تهمل الأنشطة الجامعية:
تقدم الجامعات فرصاً هائلة للنمو خارج جدرانها وبعيداً عن اختصاصك، الندوات والورش المتنوعة، المهرجانات والاحتفالات، الأنشطة الرياضية، المنافسات والمسابقات في شتى المجالات، إنه وقت حسن للتحرر من قيود الدراسة، والتعرف على أصدقاء رائعون حريصون مثلك على تطوير أنفسهم والوصول إلى أحلامهم.
- استفد من عروض الطلاب:
كطالب هناك آلاف العروض لك من الشركات التجارية والمؤسسات التعليمية، والمنح المحلية والعالمية، ابحث جيدا عن تلك الفرص، فأربع سنوات أقصر من أن تستفيد من هذه الفرص جميعاً.
- ادرس جيدا:
هذه السنوات فرصة أخيرة للدراسة بجد، وبناء شخص مستقيم، مجتهد، ملتزم بأهدافه، وله ثقل في مجتمعه، قد تختار طرق ملتوية للحصول على الدرجة أو قد تتخلى عن الدرجات نهائياً، لا تفعل ذلك، الحياة أمامك طويلة وستحتاج في الآتي من الأيام كل درجة تركتها تتسرب من بين أصابعك، والأهم من ذلك أنت بحاجة إلى هذه المعلومات التي أنت في الجامعة لتحصل عليها، وإلا ستصبح شخصاً مهزوزاً خائفاً من الجميع حتى وأن استطعت الحصول على درجات عالية بطريقة أو بأخرى، أنت تخلق في داخلك صراعاً لا يمكنك إيقافه، وتصنع من نفسك عدواً مهدماً لك أنت باختيارك تجهيل نفسك والتلاعب بنتائجك أو استخدام الغش والخداع.
- لا تتذمر، ابحث عن الجمال:
الحياة رحلة فيها من كل شيء باقة، فالتفت إلى الخير تراه في كل منعطف وزاوية، وانظر إلى جمال ينمو وتصبح أنت الجمال المتجسد، التذمر مغري لكنه حراق لاسع، والثناء والمحبة موج عالٍ منعش يحتاج إلى سباح مقتدر لخوضه.
- اختر كلماتك بعناية ولا تفقد عفويتك:
فكر كثيراً فيما تقول، وكيف تقول ما تقوله، ومتى تقوله، وانظر لمن تقول ما تقوله، ولماذا تشعر برغبة لقول ما تقوله في هذه الكيفية ولهؤلاء الأشخاص، في البداية سيبدو أنك تقتل عفويتك، ولكن ما تقوم به هو تمزيق شرنقتك لتطير محلقاً كفراشة بعفوية جديدة أكثر حكمة، وأعمق أثراً، وأصدق تعبيراً عن ذاتك، وأقل تأثراً بأعاصير الجموع.
وأنت كطالب جامعي أو متخرج، ما الذي تريد إضافته إلى هذه القائمة، شارك معرفتك مع الآخرين ودعنا نصبح أفضل جميعاً.
اضافةتعليق
التعليقات