في عالم التواصل الاجتماعي كثيرا ما تتكون علاقات بين أشخاص الكترونيين وقد تنتقل إلى لقاء في الواقع، فيلاحظون اختلافاً في استمرارية الحديث ويتدخل عامل الخجل في اللقاء المباشر أكثر منه في التواصل وبالتي الحديث يكون أكثر اختصارا عن هذه الظاهرة.
أجرى موقع بشرى حياة استطلاعا حول: (ما سبب الجرأة الالكترونية في قبالها الخجل الواقعي في التعامل مع نفس الأفراد؟)
فأجاب علي السعداوي/ باحث اجتماعي: "من وجهة نظري السبب الرئيسي هي التربية التي نشأ بها الفرد ضمن بيئته، فعادة من الأخطاء التي نقع بها في التربية هي عدم اعطاء الأطفال الثقة في ابداء رأيهم أمام الحضور من الأهل أو غيرهم، أو عدم تقبل آرائهم وتأبينهم أو التقليل من قيمة كلماتهم التي يقولونها، أو أحيانا إبعاد الأطفال من المناسبات العائلية أو الأنشطة الثقافية والتي من شأنها أن تقوي الخزين المعرفي والمهاري للطفل وخاصة من عمر (1-7) سنوات وهي الفترة التي يكون لديه شغف التعرف والنقاش في كل شيء.
لذا عندما يجد هذا الطفل (الإنسان) فضاءً جاهزاً له بعيداً عن اللوم أو الانتقاد أمام أناس ضمن عالم الانترنيت قد يكونوا يعرفونه أو لا يعرفونه فهنا يجد له مساحة كافية للتحرك واخراج الخزين الذين بداخله من المهارات والمعارف.
أما في الحضور فهو يكون رد الفعل لطريقة التربية والتعامل معه أي يمثل استجابة للمثير الذي تعرض له خلال فترة نشأته".
وقد رأى حسن سامي/ شاعر: "حين يختبئ الإنسان خلف الشاشة تمنحه المحادثة الافتراضية انفلاتا من القيود الاجتماعية مما يجنبه الخجل الفطري الذي يعاني منه عند اللقاء الواقعي، وكذلك عملية الكتابة تعطي وقتاً لصياغة الكلام بطريقة ذكية محسوبة، في الكينونة النفسية للإنسان ثمة خجل فطري لا يمكن التخلص منه في لقاءات التعارف الأولى، لكن التواصل الالكتروني كفيل بكسر الحواجز وتسهيل آلية التواصل لأن في العملية الكتابية لن ترتبك وتنشغل الحواس جميعها كما في الواقع.
وقال منتظر يوسف/ موظف: "جزء من الارتباك عادة بسبب المظهر الخارجي وتأثير الحواس على الأفراد في اللقاء الأول وهذا عادة ما يتلاشى مع انتهاء الدهشة، والتعود وقد يستغرق هذا الخجل برهة معينة ثم يزول مع استمرارية الحديث المباشر، أما في عالم التواصل فالتعامل يكون مع الكتابة وبالتالي تفقد وقع تأثير الحواس فتبدو أكثر تحررا في الحديث كما لديك فرصة للتفكير في الإجابة".
فيما فصلتْ الأديبة والصحفية سهى الطائي: "الشبكة العنكبوتية هي العالم الذي نتوجه له حين تضيق بنا السُبل، فهو كالبيت الذي يضمنا بنوافذه الكثيرة التي نختارها للتواصل مع العالم الخارجي بشتى توجهاتنا، فمنا من يختار برنامج الفيس بوك ومنا من يفضل الانستكرام وآخرون مغرمون بالتليكرام والبعض يعشق التيكتوك بسبب اتجاه الناس له رغم خطورته الواسعة.
تظل كل هذه المواقع الالكترونية نافذة دون حارس أو رادع، "ومن أمن العقاب أساء الأدب" فنرى أن جُرأة الناس مبالغ فيها لأنهم يرون فيها حرية التعبير الذي كانوا سابقا محرومين منه، وأقول إن إباحة المحظور يولد إسفاف القول؛ وكما يقال "كل ممنوع مرغوب" فكيف به أصبح جائزا!، وهنا ظهر عندنا أبطال الكيبورد، منهم من عيّن نفسه مُصلحاً وقد يكون فاسدا، ومنهم من عيّن نفسه محامياً لجهة مُعينة وهو مشكوك في أمره، ومنهم من يُصور نفسه مصلحا اجتماعيا وقد تكون حياته الأُسرية خربة.
وكل تلك المواقع الاتصالية تُعد نصف المواجهة فهي لا تظهر شكل الشخص ولا مهنته الحقيقية وقد نتعرف عليه من خلال كلماته التي يطلقها على هذه المنصات، كان لنا سابقا معايير لتقييم الشخص واقعيا فنقول قول "برنادشو" الشهير "تكلم كي أراك" وأما اليوم فنقول حسب اعتقادي (علّق كي أراك) وذلك بسبب انعدام لقائنا الحقيقي ومعرفتنا الوحيدة على النت، فنحن نُقيّم الشخص بكلامه وعباراته التي يطلقها على هذه البرامج التي يستخدمها، وأقولها ومع الأسف نحن الآن نعيش "أزمة أخلاق" في كل مفاصل المجتمع فلم نعد نشاهد أب حريص على أبناءه وأم متابعة لأولادها الكل غارق في هذه البرامج، وقد أخذت منا كل وقتنا وسيطرت على يومنا دون شعور، ولأننا وجدناها طريقة سهلة للتعبير عن حرية قولنا؛ اتخذناها نافذة لنجسد شخصيتا الالكترونية التي نهواها والتي غالبا لا تمت لنا بصلة، فالكثير من الناس يحاول أن يكون مثاليا على هذه المنصات، والآخر يظهر أبشع ما لديه ليظهر أنه لا يخاف ولا يهاب أحدا، وفي حديث وجدال مع أحد المختصين في الاعلام أطلقت رأيا بوضع قوانين لمن يود أن يبث من نافذته للجمهور، وأن لا يسمح لكل من هب ودب بأن يكون منظرا تافها يشاهده الناس؛ ولو كان صدفة!.
وأن تتأكد الجهة من أهليته ومحتواه ثم بعدها تسمح له أو لا تسمح، فما نراه من الاسفاف والانحطاط الأخلاقي أصبح لا يطاق، ولو نقارن جرأة شخص اشتهر بأطلاق عبارات نارية بلقائه على أرض الواقع سننصدم من ارتباكه وعدم قدرته حتى على الحوار فدوافع الشهرة دعته لتقمص شخصية مختلفة عن شخصيته، وقد يلجأ البعض بقولبة نفسه ليكون نسخة من "زيد" من الناس فهو حر حينها لأنه في مأمن من العقاب، فشتان بين نصف المواجهة وكُل المواجهة.
وشرحت ضحى العوادي/ باحثة اجتماعية: "الخجل من الأمور الشائعة في وقتنا الحالي خاصة بعد غزو برامج التواصل الاجتماعي للأسر حتى إن بعض الأفراد يعيشون مع بعضهم إلا أن التواصل بينهم منقطع لعدة أسباب:
1- كثرة الجلوس على برامج التواصل الاجتماعي والادمان عليها.
2- الانعزال وعدم تفاعلهم مع المجتمع الواقعي.
3- قلة الحديث من الآخرين واستخدام الكتابة فقط وهذا يجعل كلا من ملكات الخيال والتفكير والابداع جميعها لا تؤدي وظيفتها أي تجمد العقل.
4- افتقارهم إلى الدعم النفسي من قبل المحيطين.
5- كثرة الصدمات النفسية التي تعرضوا لها من الواقع من قبل بعض الأفراد.
6- التردد والخوف من العالم الخارجي.
7- التفاعل مع العالم الافتراضي وعندما يتعرض الى موقف معين في العالم الواقعي ويجد انه مختلف عن عالمه الخاص يحدث خلل لديه لذلك يتمسك بعالمه الافتراضي.
8- الكبت، هناك بعض الامور تكون لدى الافراد لا يخرجوها إلا بالعالم الافتراضي لذلك نؤكد دائما على الوالدين بعدم الكبت على الأولاد ومعرفهم ميولهم.
9- اهمال أحد أنواع التربية ألا وهو التربية الاجتماعية.
10- قلة الاطلاع على الكتب وغيرها من الأمور التي تزيد من ثقافة الفرد.
العلاج:
التعلم بالصغر كالنقش على الحجر، الطفل يولد صفحة بيضاء، الأبوان هما المسؤولين على تلبية احتياجات الطفل ومن ضمن هذه الحاجات هي التربية السليمة التي أكد عليها ديننا الاسلامي كذلك الاهتمام به ومساعدته في شق طريقه نحو الأفضل وعدم ترك الطفل أسيراً للعالم الافتراضي لأنه سيتفاعل مع هذا العالم وبالتالي لا يستطيع التفاعل مع الواقع، اضافة إلى كثرة جلوس أفراد الأسرة على البرامج دون أي تفاعل فيما بينهم وبعض الأفراد هم القدوة للطفل فيتعلم منهم، عدم تشجيع الطفل على التفاعل مع الآخرين مثلا إذا جاء ضيف يجب على الوالدين أن يطلبوا أداء السلام والتحية فهذا ينمو لديه قدرة على التواصل والحديث، الابتعاد عن الاستهزاء والسخرية عند التحدث لأن هذا السلوك قد يؤثر على المتحدث، الاهتمام بما يقوله المتحدث والتفاعل مع حديثه ومناقشته على المواضيع التي يعرضها.
اضافةتعليق
التعليقات