السينما والمسرح والمسلسلات التلفزيونية والأعمال الوثائقية والرسوم المتحركة كلها مجالات خصبة للعملية الدعائية. وبالطبع تعتبر الولايات المتحدة الأميركية من البلدان التي أعادت تشكيل الحقائق وقلب الوقائع من خلال وسائل كهذه متصلة بالجماهير، لذلك كانت الهزيمة في فيتنام نصراً إعلامياً، كذلك هي الحال في العراق حالياً.
لكن بعض الصنّاع المنتمين إلى عالم الفن يتمردون على المقررات المعممة على الكتاب والمخرجين والمنتجين والممثلين، ويساهمون في أعمال سينمائية أو مسرحية تحمل السمة الاعتراضية المتمردة الساخطة على الحرب ونتائجها.
عاصفة الرمل
يرسل البنتاغون قوات عسكرية إلى دولة للاشتراك في حرب ضد "العدو".. وبعد سنة أو سنتين تقدم "برودواي" (مركز المسارح في نيويورك) مسرحية عن الحرب، وتقدم هوليوود (مركز السينما والتلفزيون في أميركا) مسلسلاً تلفزيونياً أو فيلماً سينمائياً عن الحرب. وبعد سنة أو اثنتين أخريين يصدر الأميركيون هذه المسرحيات والمسلسلات والأفلام إلى الخارج، لتشاهدها الشعوب الأخرى... هكذا تنتشر الثقافة الأميركية في العالم مثلما تنتشر فيه القوات الأميركية.
اشتركت القوات الأميركية في الحرب العالمية الثانية، فظهرت مسرحية "رجال ونساء" وفيلم "تورا تورا تورا"، ومسلسل "هوغانز هيروز" وغيرها. واشتركت القوات الأميركية في حرب كوريا فظهرت مسرحية "قلعة بوسان" ومسلسل "ماش" وغيرهما. واشتركت القوات الأميركية في حرب فيتنام فظهر فيلم "بلاتون"، ومسلسل "بلاج الصين"، ومسرحية "مس بايغون"، وما إلى ذلك.
وقدم مسرح واشنطن – وليس في نيويورك هذه المرة – مسرحية "عاصفة الرمل"، عن انطباعات جندي أميركي عاد من العراق.
كتب المسرحية شين هيوز، وهو ممثل وكاتب سيناريوهات في هوليوود.
يقدم هيوز مسرحيته في صورة مونولوغ (إلقاء فردي) يقوم به عشرة ممثلين ويستمر أكثر من ساعة.. صمم المسرح ليكون خيمة لعشرة جنود أميركيين في العراء، يعودون بعد نهاية يوم دام ليروي كل واحد ما حدث له، ويظهر كل جندي على المسرح ويحكي قصته، ثم يختفي وهو يبكي أو يكاد.. ثم يظهر جندي آخر ويحكي قصته وهكذا..
يظهر واحد ويقول: "وجدت نفسي أتجول وسط قتلى وجرحى أميركيين بعد انفجار قنبلة وضعها مقاتلون عراقيون. وقعت ونظرت إلى الأرض لأرى ماذا أوقعني، فإذا هي رجل انفصلت عن صاحبها..
رفعتها ونظرت إليها، ولم أقدر على أن أحول عيني عنها". ويظهر آخر ويقول: "كتب علينا أن نعيش يوماً في الجحيم بدون أن نشتكي. وكتب علينا أن نعود إلى وطننا بدون أن نشتكي". ويرد عليه صوت أجش: "قل ما تريد.. ليسمع القاصي والداني ما يحدث لنا هنا".
ويظهر ثالث ويحكي: "رأيت جثث أطفال عراقيين في شوارع الناصرية، وقلت لنفسي إن هدفنا نبيل، ولهذا يجب ألا نحزن كثيراً عليهم". ويظهر جندي أسود معلقاً: "لماذا أرسلوني إلى دولة في العالم الثالث، لأقتل مدنيين يشبهونني؟ ومن المسؤول عن ذلك؟ هل قتل أبيض أسهل أم أصعب من قتل أسمر أو أسود؟".
ويظهر جندي آخر ويروي: "وصلنا إلى الكوت ونصبنا خيامنا، وجاء إلينا في المساء أطفال فضوليون لم يشاهدوا أميركيين في حياتهم.. إلا أننا بهرناهم بأسلحتنا وقوتنا ومعداتنا.. سألونا عن عائلاتنا في أميركا، وأنا أخرجت من محفظتي صورة لعائلتي.. وقال صبي: زوجتك جميلة.. وقبلت بنت صورة ابنتي وابتسمت كأنها تعرفها معرفة قوية.. لن أنسى ابتسامة تلك البنت العراقية وهي تقبل صورة ابنتي.
فوجئنا بعد أيام قليلة بطائرة هليكوبتر أميركية تقصف المدينة، وسمعنا جنوداً أميركيين ينادي بعضهم بعضاً بأن كل رجال المدينة "إرهابيون و..".
وينقطع صوته لأن ما حدث مفهوم للمشاهدين: رد الأميركيون كرم العراقيين بأن اتهموهم بالإرهاب وقتلوهم.
اضافةتعليق
التعليقات