احتضنت أرض العراق أجساد الشهداء الملونة بالدم والكثير الكثير من الأحلام منذ أكثر من خمسة وأربعين يوما، آمالهم التي حملوها من البيت إلى شوارع الوطن لم تتحقق، لم يكلوا من المناشدة بالتغيير والتظاهر ولم يحصلوا على أرض يبنوا عليها بيتا في الوطن، بل على مترين تحت أرضه يستروا بها جثثهم الباردة.
أصبح الموت هو أغنية العراق المفضلة، تلك الأغنية التي يعزفها القاتل الكبير الذي لا يفضل الأضواء بل البقاء خلف الستار ليعزف أنغامه الخاصة برصاصه الحي!.
ليطرب أجساد الأبرياء على صوت عزفه ويتركوا الأرض من شدة النشوة والتحليق إلى سماء الشهادة.
إنه فصل التوابيت، فصل التحليق لمن وجدوا الموت لهم عادة، وفصل التحديات التي لا عنوان لنهايتها بوجه جيل قرر الحياة أو اللا حياة، ومع كل هذا الألم والأمل بالتغيير تكاتبت الأحزاب المعروفة والمجهولة على ورقة موت الكثير من الأبرياء بأهداف خبيثة رخصت عندها دماء البشر..
وكأنهم استغلوا صخب الثورة بتصفيات حساباتهم والنيل من خصومهم أمام زحام الشعب، ليسقط على أثره الشاب البسيط الذي لا يملك سوى كامرته التي يصور بها حقيقة الوطن، وآخر لا يملك إلاّ هاتف يظهر على شاشته اتصال من أمه!.
تلك الحقيقية التي لم يريدوا أن تظهر للعالم، فنادوا بفصل الدين عن السياسة كي يقتلوا الفتنة بين دابر الشعب!، لتبدأ مرحلة التسقيط المباشر لرجال الدين بلا سواء حتى يتجرأ بهم الحال إلى انتهاك حرمة العمامة السوداء التي في النجف!.
باستغلال الشريحة البسيطة من الشباب والفتيات أصحاب المعلومات المغلقة حول هواياتهم فقط، الذين لا معرفة لهم بالدين ودهاليز الحرب والناعمة، الذين اذا قلت لهم لماذا لا نرى الله لربما ليس موجودا، لشككوا بوجود الخالق!.
ولأن هذه الفئة تفتقر للدليل والبصيرة كانت عملية زرع الشكوك الفارغة في أدمغتهم سهلة جدا، بغية ضرب المرجع من قبل مقلديه، في محاولة علنية عن حقيقة وجود سماحته، أو عدم خروجه لإلقاء خطبة.. الخ.
كلها ومع بالغ الأسف أمور خارجة عن نطاق المنطق، واستغلوا من خلالها شريحة بسيطة من الذين يسيرون خلف أهواءهم وتأخذهم الكلمة إلى مكة وتعيدهم الأخرى إلى يمن!.
ولأن الشعب هو أساس الوطن، إذن تجمعه حول الكلمة أو تفرقته هي التي تحدد مستوى القوة لديه، والتشويش الحاصل وبذرة الفتنة التي يحاول المندسون وأصحاب الحقد والمصالح زرعها بين الشعب العراقي هي التي ستنال من قوة العراق، فالطائفية لا تشمل الدين والعرق فقط، إنما تحددت بالأفكار والتوجهات أيضا، وعدم تقبل أفكار المقابل من الممكن أن يخلق صدام كبير بين الفئات العامة.. وهذا يتم من قبل أيدي خارجية وداخلية في محاولة اشعال الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وهذا الأمر يواجه بالتوعية وروح التقبل، بالإضافة إلى طرق راقية في النصح والتوجيه السليم، والسيطرة ودحض المنشورات التي تحاول بث الفتنة بين الناس.
وبعد المخاض الذي عاشه العراق في فترة داعش، ولد للعراق ابن جديد من رحم الجنوب والوسط اسمه "الحشد"، وكنيته "المقدس" لأنه ترعرع في أرض لها حرمة، ابن فدى بدمه كي تبقى هذه الأرض ويبقى شعبها مرفوع الرأس، لم يكن هذا الولد لقيطا أو متبنيا من دول أخرى كي نفرط فيه اليوم، أو نسمح لأي خارجي أن يحاول المساس به، واليوم وفي هذه الظروف الراهنة تحديدا تكاتفت الأيادي الملعونة على قتل المولود الطاهر لأن هذا المولود العراقي يمثل لهم الخطر الأكبر مع المرجعية العليا والشعب، إذ تمكن بدمه الشريف أن يدحض كل الخطط التي رسموها لبلادنا، إنه من رحم هذه الأرض المباركة ومسؤولية الحفاظ عليه تقع على عاتق أهله..
وأي ضرر يمس هذا المولود لن ينعا فقده إلا أهله (نحن)، ولا يدخل تراب فقده إلاّ في عيوننا نحن.
ولأن العراق اليوم يملك قوى كثيرة، فالخطوة الأولى التي سيفعلها العدو هو اضعاف الخصم عن طريق ضرب نقاط القوة لديه، وإن مرحلة العراق اليوم هي مرحلة دفاعية تلحقها الثبات الكامل، وتكاتف الشعب بالأيدي والألسن، حتى لا نسمح لأي خارجي ومحرض أن ينال من العراق ويضعف قوته..
اضافةتعليق
التعليقات