• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

أرجوحة الرجاء

دنيا عبد الكريم / الأحد 21 حزيران 2020 / تطوير / 2837
شارك الموضوع :

ارتسمت على وجهه كل تفاصيل الشيخوخة وأحداثها ووقرها وكأنها رواية عظيمة اكتملت كل فصولها

كان جالسا على كرسيه المعتاد في إحدى الحدائق العامة, وحوله الأشجار شامخة  لكنها مصفرة الأوراق, مرتديا معطفه الأسود وقبعته الأنيقة, وغزا الشيب رأسه ولحيته وما زاده إلا جمالا وهيبة, وارتسمت على وجهه كل تفاصيل الشيخوخة وأحداثها ووقرها وكأنها رواية عظيمة اكتملت كل فصولها. ولم يكسر الحزن مسحة الأمل في عينيه.

 كان منهمكا بقراءة كتاب وجده في مكتبته وكان قد جذبه عنوانه فهو كتاب (الأجنحة المتكسرة) لجبران خليل جبران.

حتى استوقفته إحدى النصوص وطال انتظاره في هذا النص والذي كان:

(إن دمعة واحدة واحده تتلمع على وجنة شيخ متجعدة فهي أشد تأثيرا في النفس من كل ما ترهقه أجفان الفتيان.

إن دموع الشباب هي ما يفيض من جوانب القلوب المترعة, أما دموع الشيوخ هي من فضلات العمر تنسكب من الأحداق, هي بقية الحياة في الأجساد الواهنة.

الدموع في أجفان الشبيبة كقطرات الندى على أوراق الوردة, أما الدموع في وجنة

الشيخوخة فأشبه بأوراق الخريف المصفرة التي تنثرها الرياح وتذريها عندما يقترب شتاء الحياة).

هذا النص أيقظ فيه شعور الطفل الصغير الذي أربكه الزحام عندما أفلت يد أمه لأول مرة, آلم قلبه ولمس موطن الوجع فيه, فسبقته دموعه للتعبير عن الإحساس بذلك الوجع وتساقطت على الصفحة واختلطت مع حروفها وكأنها تريد أن تطفئ ذلك اللهيب الذي أوجدته تلك الكلمات.

نعم فذلك النص يصف حاله بالضبط , حياته وكل أحداثها وذلك الوجع الخفي, فنظر لأوراق الخريف التي تتناثر حوله وتلك الورقة التي تسقط بهدوء, فمد يده لتستقر فيها فابتسم محدثا إياها: كم أننا نشبه بعضنا يا حبيبتي!.

وتركها لتعلن نهايتها بصمت مع الأخريات..

كان وحيدا فمنذ استشهاد ولده وهو لا يجد سبيل ليومه الطويل المليء بالذكريات, سوى كرسيه هذا, محدقا في تلك الكتب التي لا يمل من شرائها وقراءتها بنهم, فهي الشيء المتبقي له من نشاط شبابه, فحبه للقراءة يذكره بذلك الصبي الذي لطالما قرأ وكتب واستمتع بموسيقى الحروف طوال حياته, فالقراءة حبه الأعظم حتى أنه أهدى هذا الشغف لولده  الشهيد.. وتلك الذكرى كانت الأقرب لقلبه, وإن كانت ندية بالدموع  دائما, فلعن الله الحروب أينما حلت هدمت وهدمت الكثير..

تعبت عيناه فرفع نظارتيه عن عينه فأصبح كل ما حوله غير واضح واختلطت  ملامح المكان ببعضها.

فمرر بحركة عطوفة من تلك اليدين اللاتي باتت ترتجف حتى من حمل الكتاب  على تلك العينين المرهقتين مواسيا إياها على ذلك المنظر أن لا عليك فتلك النظارة الجميلة ستعيد ترتيب الأشياء والألوان مرة أخرى.

وشرع يكتب مقاله الجديد والذي يحمل عنوان: (أرجوحة الرجاء)

(أن تفقد أحدا يعني أن تنطفئ إحدى الألوان في عينيك وإحدى الأنوار في قلبك,

فيمسي مكان ذلك اللون وذلك النور فارغا ينقصه الكثير.

لكن هنا وفي هذه الأحوال يأتي دور ما غذيت به نفسك وما ربيت عليه روحك, ما ألهمت به ذاتك وكيانك من أفكار, ما درست وتعلمت, ما همست به لنفسك حينما تسقط ضعيفا. فإما أن يمتلئ ذلك الفراغ أملا أو يمتلئ يأسا.

إما أن تستمر محاولا تلوين كل ما بهت أمامك لتعطي لروحك رونقا جديدا, أو يكبر ذلك الفراغ ويلتهم كل ما بقي من ربيع بداخلك.

وكأن لحظات الحياة هذه تضعك أمام مفترق طرق, وتضعك أمام نفسك تماما. وعليك الاختيار.

إما أن ترمم ذلك الفراغ الذي بداخلك معلقا روحك بأحلامها وأمانيها بأرجوحة الرجاء تاركها تتقاسم مع الطيور روعة أن يكون لها جناحين لتتسابق معها على من يحظى بحضن النسيم وقبلة السحاب أولا. أو أن يتهدم ذلك الكون العظيم بداخلك.

أن ترمم الفراغ وتعيد ترتيب الألوان الباهتة يعني أن تجرب الفرح في كل مرة, محاولا عيشه بكل التفاصيل وأبسطها, مثلا جرب أن تستشعر الفرح كطفلة صغيرة ترتدي فستانا جديدا لأول مرة.

أن تجرب الفرح, جرب أن تنظر بعيني من تعلق بأمنية عمرها سنوات ورآها ماثلة أمامه فجأة وبدون أي مقدمات. فهبات الله كثيرة وأجملها تلك التي لا نخطط لها.

أن تجرب الفرح كزهرة أقحوان صغيرة نجحت وبعد عناء أن تحرر جناحيها من بين صخرتين غلاظ كادتا أن تنسينها أنها زهرة وأن لشذاها جناح لابد أن يتحرر.

فبالأمل نحيا, هكذا هي حياتنا يولد أحد ويموت آخر, تدفن أمنية ليولد أمل, ينحني حلم لينهض طموح هذه هي الحياة..

فما بين الفرح والحزن وما بين الفقد واللقاء نتأرجح, فتارة تأخذنا كفة الاطمئنان فننام كطفل صغير أودع جسده في حضن أمه وترك كل شيء لأنه يعلم أنه لا يوجد ملاذ  في الكون أكثر دفئا وأمنا مما هو فيه.

وتارة أخرى يأخذنا الحزن فيؤلمنا ويوجعنا بفقد أو خيبة أو ضياع فنمسي كحمامة أسيرة ضاق بها عشها فوق إحدى القبب وتشتهي سماء واسعة تحتضن جناحيها.

هكذا نحن فما نغذي به أرواحنا هو ترتيلة الاطمئنان التي تعود إلينا في أصعب أيامنا وأكثرها وجعا.

هكذا نحن مع الحياة هي معلمتنا ونحن أمله).

وانتهى من مقاله وبقي صامتا برهة, كانت كلماته عزاء لنفسه بولده الشاب, عزاء له بربيعه المقتول.

رفع نظره ومازالت أوراقه وقلمه بيده وإذا بالأفق تزين بلونه الأحمر, والشمس تتربع كملكة فيه, فهبت رياح خفيفة بعثرت ما في يديه من أوراق وسقط قلمه من يده جراء الجلبة التي سببتها تبعثر الأوراق. فنهض بجسده النحيل وبحركة منظمة جمع أوراقه وانتشل قلمه من الأرض, كان مبتسما وكأنه راضٍ عن كل أحداث السنوات التي عاشها وممتن لما غذى به روحه, فلم يجزع لفقد أو وجع, بل بقي متمسكا بالله..

لف تلك الأوراق ليضعها بداخل كتابه متأهبا للمغادرة، فوضع قلمه في جيب معطفه ليتحسس صورة ولده الشهيد التي كان تسكن في الجانب الأيسر دائما هناك حيث يقطن قلب أبيه لتحيا بنبضات قلبه..

غادر مكانه ومثل كل يوم, عندما بدأت أصوات المآذن والمساجد تختلط بالهواء وكأن بصوتها عبقا خاصا وحنينا لشيء ليس ببعيد، إنه صوت ضحكات ولده الشهيد.

 فابتسم لسماعها فلطالما كان يحب أجواء المغرب هذه ومضى في طريقه تاركا أوراق الخريف تتطاير خلفه وكان بعضها قد أحزنها رحيله وبعضها الآخر وكأنها  تقول له: نلتقيك غدا لحديث جديد..

الانسان
الحياة
الحزن
الأمل
الايجابية
قصة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا

    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين

    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي

    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي

    بناء التنوع.. شعار اليوم العالمي لهندسة العمارة

    جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تنظم فعاليات نادي ريحانة الصيفي للفتيات

    آخر القراءات

    السيدة رملة: بين حنان الأمومة وشجاعة الهاشميات في واقعة الطف

    النشر : السبت 20 تموز 2024
    اخر قراءة : منذ ثانية

    غربة الديار

    النشر : الأثنين 28 نيسان 2025
    اخر قراءة : منذ 4 ثواني

    صناعة التسلية: بين وهم الترفيه وسطو الأفكار

    النشر : الأثنين 12 كانون الأول 2022
    اخر قراءة : منذ 6 ثواني

    ماذا تعرف عن الأكروفوبيا؟

    النشر : الأربعاء 23 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 17 ثانية

    دعاء العهد

    النشر : الأحد 20 ايلول 2020
    اخر قراءة : منذ 17 ثانية

    الضحايا لايهزمون غالباً

    النشر : الثلاثاء 18 حزيران 2019
    اخر قراءة : منذ 20 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1201 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو": صدفة؟ أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 435 مشاهدات

    بعد تراجع وفيات النوبات القلبية.. ما الذي يُهدد حياتنا الآن؟

    • 431 مشاهدات

    ابتسم… أنت تمضي بلا هوية

    • 405 مشاهدات

    محرّم في زمن التحول

    • 377 مشاهدات

    تحدّي عاشوراء: أربعون يوماً لتكون حسينيّاً في زمن الضياع

    • 375 مشاهدات

    الترند الجديد "لابوبو".. صدفة أم واحدة من أنجح حملات التسويق في 2025؟

    • 1545 مشاهدات

    القليل خير من الحرمان

    • 1316 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1201 مشاهدات

    وميض من التاريخ: تتويج إلهي بالولاية

    • 1171 مشاهدات

    الخلود في زمن التفاهة: كيف ينتصر علم الإمام علي على مادية العصر

    • 1106 مشاهدات

    الإمام محمد الباقر: منارة العلم التي أطفأها الظلم

    • 934 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أبا الفضل.. بقية الدمع في مآقينا
    • منذ 12 ساعة
    القيم والمآثر الأخلاقية في حياة الإمام الحسين
    • منذ 12 ساعة
    أنصار الحسين يوم عاشوراء: قصة التضحية والوفاء الأبدي
    • منذ 12 ساعة
    ارتفاع هائل في استهلاك الطاقة بسبب الذكاء الاصطناعي
    • منذ 12 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة