مابين الانسان والتقرب الى الله طريق.. ومسافته قد تطول وقد تُختصر وقد تُطوى!
ويحدد ذلك عدة معطيات منها الوسيلة التي اتخذتها في هذا المسير ونوع المعدن الذي صغتَ به روحك للوصول، والذي انتقيته من بين حديد وقصدير ونحاس وفضة وذهب..
لا تصدّق أنك زهيد إن اخترتَ سفينة الحسين في رحلتك الى الملكوت.. مادمتَ تحمل حبّه في قلبك، مادمتَ تخدم زائريه، مادمتَ تحمل رايته وتمشي مع قافلة عشّاق ابي الاحرار فأنت ذهبٌ مصفّى بل واكثر..
ففي اللحظة التي تخطو فيها باتجاه كربلاء والتي هي قطعة من قطع الجنة.. فأنتَ تخيط لنفسك ثوباً مذهبّا لن تزل ترتديه حتى الممات إن أردتَ البقاء عليه، وإن قررتَ خلعه يوماً فقد اخترتَ بذلك العودة الى معدن رديء والذي سيصدأ بلا شك مع الايام!.
فقد تكون لسنوات على هذا الطريق ولكنك تنحرف وذلك هو الخسران المبين، وقد ترفل بهذا الثوب من مولدك حتى تبعث حيا فهنيئا لك هذه المكانة.. وقد تكون قبل ذلك بعيدا عن رائحة الجنة وبتوفيق من الله تُغيِّر الوجهة الى الفردوس..
فالشاعر المعروف (الخليعي الموصلي) كان ممن استبدل ثوبه الذي كان من القطران الى ثوب الخلود.. (والذي كان من ابوين مخالفين ناصبين، وممن يبغضون أهل بيت العصمة (ع)، وتعود أحداث قصته الى قبل ولادته الى أيام صباه، ولم يكن لهم ولد فنذرت أمه اذا رزقت بولد ذكر فأنها ستبعثه لقتل زوار الحسين عليه السلام حيث كانوا يأتون من جبل عامل اللبنانية ويعبرون الموصل لزيارة الحسين عليه السلام في كربلاء.
وبالفعل رزقهما الله بولد وهو الشاعر الخليعي وقد ربته والدته على بغض أهل البيت والعداء لهم ولشيعتهم، وما أن كبر وبلغ السعي أرادت الأم ان تفي بالنذر فعرفت ابنها بالأمر وزرعت في قلبه بغض شيعة آل البيت عليهم السلام وبالخصوص زوار الحسين عليه السلام فبعثته لوفاء النذر وقطع الطريق على الزوار لقتلهم.
وبالفعل ذهب الولد لكي ينفذ نذر أمه وذهب الى الطريق المؤدي الى كربلاء، وبدأ ينتظر قوافل الزوار وفي اثناء الانتظار اعياه السفر واتعبه واستسلم الى النوم في طريق القوافل، فمرت الى جانبه قافله تسير وكان بها زوار للحسين عليه السلام ولكنه لم ينتبه من نومه فغطى جسده ولحيته ووجهه غبار الزوار.
وعندما استيقظ من النوم انزعج لأنه لم يؤدي النذر وعاد الى البيت على ان يرجع في اليوم الثاني لأداء النذر، وفي نفس الليلة رأى في المنام كأن القيامة قد قامت وجاء دوره للحساب وأمر به الى النار لأنه من مبغضين أهل البيت (ع) وممن أرادوا قتل زوار الحسين عليه السلام ولكن أمرا حال دون دخوله النار اذ رأى أن النار لا تحرق بدنه وأن غبار القافلة الذي كان على بدنه كان بمثابة الحاجز يمنع النار من الوصول الى بدنه!.
استيقظ الولد (الشاعر الخليعي) من نومه قد عصفت روح الهداية في قلبه وضميره ووجدانه، فأجهش بالبكاء نادما على ما مضى وقرر أن يتوب وذهب الى كربلاء مسرعا نادما تائبا يعتذر الى سيد الشهداء ابي عبدالله الحسين عليه السلام).
فأنشأ اثر تلك الحادثة هذه الأبيات:
اذا شئت النجاة فزر حسينا..
لكي تلقى الاله قرير عين..
فإن النار ليس تمس جسما..
عليه غبار زوار الحسين..
ولعل قصة هذا الشاعر تعطي لنا دروسا كثيرة منها الأمل بهداية العاصين ببركة زيارة وخدمة الحسين فهم ليسوا اكثر من هذا الشاعر الذي كان من النواصب!.
وكذلك عدم الاستهانة باولئك الميممين شطر كربلاء من شتى المشارب ومن كافة انحاء المعمورة..
فلا ننظر الى الوانهم واعراقهم واختلافهم وغرابتهم!.. اولئك تراب اقدامهم له كرامة فكيف بهم!
هؤلاء لهم اسم ولقب وموطن واحد ليس إلاّ، ألا وهو: زائر الحسين..
هؤلاء محل دعاء الامام الصادق (ع): (اللهم ان اعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص الينا خلافا عليهم فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر ابي عبد الله عليه السلام وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.. اللهم اني استودعك تلك الانفس وتلك الابدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش)..
فلاتستصغروا قدر زيارة الحسين والمشي اليه في الاربعين، فهذا طريق مواساة وعزاء ورد جميل.. هي رحلة تكامل ورقي وعروج..
وانتَ تمشي الى الحسين لن تشعر بالتعب لأنك ثمل بالحب.. ولا غلو! فالمثل يقول: لانصيحة في الحب.. لكنها التجربة!. وشتّان بين من يرنو الى قافلة زينب من بعيد وبين من يشاركها المسير..
زيارة الاربعين بطريقها وخدّامها وزائريها ليست فقط لوحة فسيفسائية جميلة ومعبّرة، هي منهج كصاحبها الحسين، منهج حياة ومدرسة، تحوي فرصا لمن رام أن يتغيّر ويتكامل، وخطواتنا فيها كخطواتنا في الحياة، الكم حسن والكيف أحسن، هنيئا لمن تنافس مع رفقائه، وهنيئا اكثر لمن تسابق مع نفسه وتسلّق درجات اعلى عن سنينه السابقة، بعلمه وعمله واخلاقه وايمانه والمعرفة الحقة بإمامه..
وأنتَ تمضي الى الجنة.. الى حياض سيد الشهداء.. شعثا اغبراً.. إرنُ الى قبّة الذهب وارنُ ايضا الى اعظم زائر واعظم سائر واعظم معزّي.. لاتنسى حفيد الحسين، إمام زمانك.. يوسف الزهراء، توجه اليه قائلا: ياأيها العزيز مسنّا وأهلنا الضر.. وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل.. إن الله يجزي المتصدقين..
طوبى لمن ألقى المهدي المنتظر على وجهه قميص جدّه المذهّب بالدماء فارتدّ بصيرا.. ليقول لإمامه: هاكَ قلبا من ذهب.. ليجد نفسه امام كيلومترات قليلة حتى الجنة!.
اضافةتعليق
التعليقات