من الظواهر التي اعتاد علماء النفس درجها ضمن الحاجات أو الدوافع النفسية هي الحاجة الى التفوق أو السيطرة. ونعني بهذا الدافع، الشعور الخفي أو الحاد بالحاجة الى ان تتفوق الشخصية على الاخرين، او ان تبسط نفوذها عليهم، أو ان تصبح متميزة عنهم بشكل أو بآخر، سواء كان هذا التفوق أو النفوذ أو التميز في نطاق العلم أو الإدارة او السياسة، او أي نشاط اجتماعي تمارسه الشخصية.
بيد ان الظاهرة المذكورة بالرغم من اكتسابها سمة الحاجة او الدافع الموروث في نظر الاتجاه القصدي في علم النفس، الا أن صفا كبيرا من الباحثين لا يخلع عن الظاهرة المذكورة صفة الغريزة أو الحاجة الأساسية بقدر ما يعدها دافعا مكتسبا يحدد درجتها نمط الثقافة التي تحيا الشخصية في نطاقها.
والدراسات التي يقدمها هذا الصف من الباحثين، تؤكد صحة افتراضهم في اكتسابية الدافع المذكور.
اما الاتجاه الإسلامي، فإن وجهة نظره في هذا الصدد واضحة كل الوضوح، مادام هذا الاتجاه أساسا يلغي الاخرين من الحساب، على نحو ما تحدثنا عنه مفصلا عن الغاء للتقدير الاجتماعي، فيما يظلّ البحث عن الرئاسة والتفوق، جزء من البحث عن التقدير المذكور.
انه يرى ما يسمى بدافع السيطرة او التفوق ظاهرة مرضية ينسبها الى أصول الكفر او المعصية، تشددا منه على خطورة المفارقة التي ينطوي عليها حب السيطرة او التفوق.
ان المعيار الإسلامي في تحديد ما هو مشروع او غير مشروع من الرئاسة او التفوق يظل مرتبطا بما هو موضوعي وما هو ذاتي، هو معيار لا يسم ظاهرة السيطرة والتفوق فحسب، بل يسم كل أنماط السلوك.
وفي صدد حديثنا عن الظاهرتين المذكورتين فإن البعد الذاتي فيهما من الوضوح بمكان ما دامتا متصلتين بنفس الاعراض المرضية التي تسم الباحث عن التقدير الاجتماعي.
غير ان هاتين الظاهرتين تكتسبان حينا دلالة موضوعية فتصبحان حينئذ حاجتين موضوعتين لا صلة لهما بالذات الا من حيث ارتباطهما بالسماء.
ولعل أوضح نموذج للحاجة الموضوعية الى الرئاسة يتمثل في مطالبة يوسف (ع) بتوليه خازنا على الأرض، حتى أنه زكى شخصيته، خالعا عليها سمتي حفيظ، وعليم، تأكيدا للحاجة الموضوعية المذكورة.
والأمر ذاته فيما يتصل بالحاجة الى التفوق عندما يستدعي السياق الموضوعي إبراز الشخصية الإسلامية لتمرير أهدافها المرتبطة بالسماء وليس بالذات المريضة.
اضافةتعليق
التعليقات