عزيزتي المرأة، قبل ان تبدئي بقراءة المقال اود ان أقول لكِ بأن التردد الذي اجتاحني وانا اختار هذا العنوان كان كبيراً جداً، لأن رسالتي أعمق من النقص الذي ورد في العنوان، ومهم جداً لدرجة اني تركت نومي وقفزت من سريري في الساعة الثانية بعد منتصف الليل حتى اشاركك بعضاً من مشاعري الخرساء.
امّا انت أيها القارئ الرجل.. اود ان أوضح لك شيئاً خطيراً، انا يا عزيزي كاتبة، أي انثى، وبوضوح أكبر، ناقصة عقل كما يسميني بعضاً منكم (وليس الكل)، فشكراً لأنك تفضلت علي ومنحتني بعضاً من وقتك الثمين وكلفت نفسك وفتحت الرابط لتقرأ سطوري المتواضعة.
وفي كل الأحوال صنف البعض المرأة ضمن الخانات التي لا تصلح الاّ للإنجاب وزيادة الإنتاج البشري، على أساس انها كائن ضعيف وغير نافع إلاّ في القيام بالأعمال التي لا تتعدى حدود المنزل!.
فأصبح مصطلح (ناقصة العقل) هي الفتوى التي يتسلح به المجتمع الذكوري، ولا يدري بأنه في هذه الحالة يقتل نفسه بنفسه..
وبالفعل لا نستطيع الإنكار بأن هذه النظرة أصبحت سائدة وبشكل كبير في المجتمعات العربية وحتى الإسلامية منها.
ولكن المجتمع غافل بأنه عندما يطلق على المرأة هذه التسمية ويتهمها بهذا الاتهام الخطير هو بالغالب يشنق نفسه!.
لأن الدولة هي نتاج الأمة، وإن الكثير من حركات النهوض الإسلامية فشلت لأنها عانت من تقصير أهم شريحة في المجتمع ألا وهي المرأة، وتقصير هذا المكون المجتمعي المهم والتغاضي عن قدراته الذاتية في خدمة الأمة سبّب خللاً ديناميكياً في ترابط نواة المجتمع. وبلا شك السبب المهم في تراجع قدرات المرأة هو الرجل، الذي قيد حركتها وربط المجتمع بأفكار تخلفية.. ولكنه نسي بأن ضرر هذه الأفعال لن يعود الاّ عليه وعلى الأمة.. لأن رجال المستقبل سيتربون في أحضان من يدعوهنَّ بناقصات العقول!.
وفكرة ان المرأة ناقصة العقل لم تأخذ شرحها الصحيح في المجتمع، فالمولى علي بن ابي طالب (عليه السلام) عندما ذكر لفظة (ناقصات العقول) لم يقصد به ما اخذه المجتمع، ولكن اختلاط المفاهيم هي التي بعثرت الحقيقة وصدت عنا الضياء، فهناك أحاديث للإمام تأخذ منحنى الشمولية وأحاديث أخرى زمنية تخص واقعة وحدث معين، وغالباً ما تكون موجهة لشخصية معينة.. فمن المهم جداً مراجعة الحديث والابحار في منطق الامام وما يقصده من معنى في كلمتيه تلك..
واذا اردنا ان نتغاضى عن تفاصيل الفقه، فهل من المعقول ان يقول الامام عن المرأة بأنها ناقصة العقل بمفهومها المادي، وزوجته هي سيدة نساء العالمين وبنت رسول الكون محمد (صلى الله عليه واله وسلم)؟!. هنالك بعض الومضات تحتاج الى تأمل كبير في ماهية منطق الامام، لأن أسلوب الامام في الخطب أعظم من ان تفسره اهواءنا كيفما تشاء، ففي هذه الحالة المجتمع يقترف ذنبين كبيرين جداً، الأول هو اتهام المرأة بالنقص، والثاني هو ضرب المفاهيم وتزييف حقيقة أقوال الإمام (عليه السلام).
وفي كل الأحوال ليس هنالك رجل يرضى ان يتزوج من ناقصة العقل، وينجب منها اولاداً، فهل هنالك شخص يرضى ان يتربى أولاده بين كنف ناقصة عقل!، لا والمصيبة الكبرى بأن ناقصة العقل هذه ستنجب ايضاً فتاة وتساهم في زيادة ناقصات العقول في المجتمع؟!!، هل ترون مقدار التفاهة التي نعيشها، في الحقيقة جميع هذه التساؤلات لا تعبر الاّ عن محدودية الفكر وجاهلية المنطق عند الناس.
فكل هذا الكلام لا يسبب الاّ عبئاً فكرياً على المجتمع، ومن الواضح بأن من اهم أسباب تقدم الغرب على المجتمع العربي، هو اننا نقوم على رجل واحدة، ونبصر بعين واحدة، ونصفق بيد واحدة، ونعمل بنصف الطاقات التي نملكها، متناسين تماماً الطاقة المهمة التي يرتكز عليها المجتمع ألا وهي المرأة.
قبل قليل قلت بأن السبب المهم في تراجع قدرات المرأة وطمسها هو الرجل، ولكن السبب الأهم في خلق هذه النظرة الدونية هي المرأة نفسها، فمع بالغ الأسف المرأة هي التي تصنع عن نفسها نظرة العبودية، لأن الشعور بالنقص يولد من تلابيب فكرها.
فعندما تفضل المرأة ابنها الذكر على ابنتها، بلا شك ستزرع في داخله بذرة النقص تجاه الفتيات على انهن كائنات اقل شأناً من الرجال.. وعندما يكبر سيعكس النظرة التي زرعتها امه (المرأة) عن معشر النساء ولن يعامل زوجته وبناته بالحسنى!، وهنا ستكمن المصيبة.
فالمرأة في كل الأحوال لا يقتصر دورها على الزواج وتربية الاولاد فقط، ولا حتى على التحريض والتشجيع والدعم، وإنما يتعدى ذلك ليصل الى الخوض المباشر في المجتمع والنهوض بواقع الأمة. وهكذا كانت الفُضليات من النساء السابقات في هذه الأمة كالسيدة الزهراء (سلام الله عليها)، وابنتها العقيلة زينب (عليها السلام)، فقد كان لهما دوراً سياسياً كبيراً جداً، وشهد لهنّ التاريخ التحليلات السياسية والمواقف العميقة والاستنتاجات الفذة التي كنَّ يتوصلنّ اليها.
فقد نهضت السيدة زينب (سلام الله عليها) بأعباء الحركة الإصلاحية الكبرى، وكانت من المحدثات الرائعات اللاتي يمتلكن الاسلوب والعقل السياسي الفذ، وقد شهدت الميادين لها بذلك، لتبقى السيدة (سلام الله عليها) أعظم نموذج للمرأة المسلمة العظيمة في أروقة التاريخ.
فإن نساء اليوم لا يُقصِّرن عن مثل ذلك، وخصوصاً لو كانت السيدة زينب (عليها السلام) هي القدوة النسوية في محورهنَّ الحياتي، ولكن انعدام الوعي وتحيّز الشعور بالمسؤولية تجاه الإسلام والأمة، وتراجع الروح الرسالية إضافة الى الحواجز النفسية التي صنعتها الثقافة الجاهلية جميعها كانت عوامل مساعدة في خلق هذا البرود الفكري الذي شجع النساء على البقاء بعيداً عن الخوض في الساحات، لتُصَد المرأة عن تفعيل دورها الرسالي في المجتمع.
ومع الأسف الفهم الخاطئ لأبعاد الدين خلق من حياة المرأة أسلوبا نمطيا لا يتوافق مع النهج الذي نصه الله لها.
فالرسول (ص) اقتلع جذور الجهل وخطى اول خطوة لرفع شأن المرأة وبقيت الخطوات الباقية على المرأة نفسها في اثبات شأنها والارتقاء بذاتها، لتكون على اساسه نموذجا فعالا في المجتمع تسعى من خلاله في تحقيق الأهداف الذاتية التي تخدم الأمة وتساعد في نهوض المجتمع.
فكسر هذه الصورة النمطية التي ارتسمت على المرأة يجب ان تتغير، ولا يحدث هذا التغير الاّ بعدما تغير المرأة من نفسها وتسعى للارتقاء على بعد عميق حتى وان كان من داخل بيتها (وذلك أضعف الايمان).
والخروج الى الساحة الاجتماعية بقوة وركيزة تامة، وهذه القوة لا تأتي الاّ بعدما تتحزم المرأة بسلاح العلم والايمان.. لأن خروجها الى العالم بجهل سيقلب جميع الموازين ضدها وستثبت للعالم بأنها غير صالحة للقيادة.
كيف تغير المرأة صورة (ناقصة العقل)؟
نستطيع ان نقول بأن الصورة النمطية التي ارتسمت للمرأة على انها ناقصة عقل وانها غير قادرة على العطاء لأنها اقل شأناً من الرجل، هي الصورة التي لا تتعدى حدود البيت والزواج وتربية الأطفال. ويا ليت ان يقوم بيتها وتربية أولادها على النهج المفروض الذي تتمكن من خلاله ان تؤسس بيت مكافح وتربي اطفالها على أسس ومبادئ مهمة.
ولكي تنجح المرأة في هذا الامتحان عليها ان تتقن فن التربية وتتعلم قواعد الحياة وتكون على دراية تامة في كل ما يحصل بالعالم من الناحية السياسية، الاجتماعية، التكنولوجية، وتواكب التطور لتكون نموذجا واعيا وخير مثال للأم المعاصرة التي تتفهم أفكار الجيل وتمتلك لغة مخاطبة راقية مع اولادها.
اما من الناحية السياسية والعسكرية فالمرأة لا تقل شأناً عن الرجل لو وظفت طاقتها وعقلها بطريقة صحيحة لقدمت خدمة كبيرة للمجتمع ولسعت في نهضة الأمة..
فالفكر هو مرآة الإنسان، واللسان هو الذي يعكس هذه الأفكار، ولتجديد الأفكار وقطف ثمار الثقافة على الإنسان التزود بسلاح العلم والمعرفة وخصوصاً المرأة كي تتمكن من مواجهة جبروت المجتمع.
لأن الفكر هو السبيل الوحيد الذي يجعل الإنسان أكثر وعياً بما يحيطه، وبه يكون المرء أعمق إدراكاً لأبعاد وجوده وعلاقته بالكون. لأنّ الإنسان يطلّ من خلال أبراج فكره على عوالم جديدة، فتتسم رؤيته بالشمولية التي تجعله أكثر وعياً بالحقائق، وأكثر قدرة على معرفة ما كان يجهله فيما سبق.
وفي النهاية نستطيع ان نقول بكل جدية وصراحة بأن زمام الامور بيد المرأة نفسها، فمن تمثل نصف المجتمع لها قدرة على تغيير النظرة النمطية التي ارتسمت لها، وتسقط مصطلح (ناقصات العقول) عنها وعن بني جنسها وتقلب النتائج لصالحها، وتخترق كل الحواجز والسلبية التي تعيق تقدمها.. حينها ستجد الرجل الصالح بجنبها وكتفاً بكتفها داعماُ لها في التقدم المجيد لبناء الأمة والنهوض بالواقع الحالي.
اضافةتعليق
التعليقات